دع الصدى

Views: 197
Karim
د. كريم يوسف

لا تلتفت، ذاك الذي يناديك بعيد لن تراه، وما مددته حبالاً من كلامه الآتي إليك أضاع روحه، لم يجذبه، لم يرشدك، والتف حولك قيداً ثقيلاً، كرحيل لا تعرف منتهاه…

لا تلتفت، فلست تعلم إن كان النور في الخلف غاب، ولست ترى من الأمام إلا القليل، لا تفقد هذا القليل، واصبر، قد يعود إليك النور والنظر، إذ ذهبا سوياً يبحثان بين  سحابات لم يلحظها أحد عن مصير مكث في النسيم وبين حبات الندى، ولم يجد لنفسه سقوطاً فوق مجهول شريد…

لا تلتفت، دع الصدى، ملجأك القريب، دعه يلتفت إليك عند كل اصطدام بأسوار قيدك، عله يعيد وصلاً للكلام ويوضح المعنى… دع المعنى في النداء يسعى إليك، أنت ملجأه البعيد، والصوت الذي يأتيك منادياً، يفقد روحه على الطريق الطويل، تسقط منه أشلاء، وأشلاء تعلق في عواصف الغبار الذي يعلو ليمسكها، ثم يهبط، يدفنها سماداً لذاك البحث عنها والرحيل، كقيدك الثقيل…

ذاك الذي يناديك بعيد، وأنت حيث أنت، باحثاً عن هناك، حيث كنت لتكون لو كنت تدري أو ترى امتداداً للطريق، أو لو كان القيد أخف حرفاً ربما… كثرت عليك حروف ما بقي من الرسالة ميتاً، ومصارعاً أشلاء روحه والعواصف، كثرت خطاك وأنت حيث أنت وحيث كنت، وتكاثرت حولك نقاط الظلام ولا نور يكفي لتعرف أين أنت وأين كنت، ولا نور يكفي لتقرأ في الأمام، ولا نور يكفي ليتضح المصير…

دع الصدى، ذاك الصديق المبهم الملقي في مكان ما من وعيك المهمل في مكان ما منك، بعد أن كف ذاك الوعي عن إجابة ما كان يرمي في الطريق من السؤال، دع الصدى يعيد وصلاً للحقيقة ويلملمك، ولملم منك إنصاتاً واستمع، فذاك الذي يناديك بعيد، والصدى انتشر بين القيود، والطريق طويلاً يبدو في الظلام، ولا مصير… فاقطع الطريق، واحفره فيك، واجلب ما تبقى معك من الأمام وانظر، قد يكون مناديك البعيد أنت، وقد يكون الصدى، أنا…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *