ثقافة الجباه العالية

سليمان بختي

هو من الذين ردوا الأمانات الى أصحابها، الى الأرض، الى ميزان العدل، الى حومة الأدب، الى شعلة الحرية.

أمتلك القاضي الدكتور غالب غانم ناصيتي الأدب والقضاء… يستخرج الأحكام من جسد القانون مثلما يقطف الكلمات من بستان اللغة. ولا نعرف حداً له بين القاضي والأديب فهو هو هنا وهناك مثوتب الفكر، مستقل العزم، واضح السبيل ، وطالب حريات. يخوض في الغمرات وحدسه على الكلمة وعينه على الانسان وقلبه على البلد.

حمل الينا من بسكنتا ثقافة الجبال الصلبة العالية وثقافة الجباه الصلبة العالية. وحمل ذلك البيان الآتي من سلالة ذهب الأدب في لبنان. وأقام بين القانون والأدب صلات وعلائق عرفناها في تاريخنا مع أمين نخلة وصلاح لبكي وعبدالله لحود وانطوان قازان وسليم باسيلا وإدمون رزق وعصام كرم وغيرهم. هبط الينا من بسكنتا ومعه المفتاح، ومعه البذور الثقافية والفكرية والوطنية والانسانية. وراح يرش الأرض قمحاً. ومشى ولا دليل معه سوى ما أورثه أياه الاسلاف وسوى النظر الى التلال وسوى القلم وسوى الظلال وسوى الموقف وسوى خطو الزنبق وحلول الربيع في البلاد.

هو من مبدعينا الكبار في لبنان ودنيا العرب، في كلماته رنين النهضة وصدى روادها. يكتب عن الجمال بروح الجمال في لغة تُقرأ لذاتها وينهمرفيها البخور والرعشات والرمان والياسمين. وجعل فيما يكتب عن أدبهم بيتاً لجمال جديد من صنع الانسان المؤمن بالحق والخير والجمال والمؤمن بجسر العقل وسلام القلم. يحب لبنان الأب والعرب الجد ويعشق اللغة كلما لاح حرف على ثغر او أشرقت كلمة من الأعماق. وهواه الحرية وكفاحه من أجل الحق ونضاله من أجل البهاءات. بكلمة ، هو علم او نهر او جبل او فارس او المبصر الاقوى. رأيناه يخضب اللغة بماء الورد ويعلي من شأن القانون ويبني القوس والقنطرة مؤمناً بقيمة الانسان والعدالة. ما سمعته مرة الا ومددت له عنقي وقربّت له أذني لأجد في صداه أدباً وطرباً ومودات، وكلما صعد الى المنبر كان أبعد من المنبر الذي سعى اليه المنبر.

هذه المسيرة القانونية والادبية ستظل متوجة بالبلاغة وسنظل نتمناها في بلادنا كل يوم.

في اميركا اللاتينية اذا ارادوا تكريم امرئ قالوا له انت تستحق زر النهضة، ولا أحد يعرف لهذا الزر رسماً او شكلاً.

يستحق غالب غانم زر النهضة فقد كان يعيش النهضة في حياته وأحلامه وأشواقه وكأنها عرس دائم في الوجدان.

*ألقيت لمناسبة تكريم القاضي د. غالب غانم في ندوة الابداع