زوهراب والرسم بألوان الذات

Views: 268
الفنان الرسام زوهراب
الفنان الرسام زوهراب
د. جوزف عساف

إذا كان تصالح الفنان مع ريشته، هو الشرط الأساس والبدهي لنجاحه وإبداعه، فإنّ الفنان زوهراب هو واحد من فنانين قلائل وصل بهم تصالحهم مع لوحتهم إلى حدّ التماهي معها، فإذا باللوحة هي الفنان، والفنان هو اللوحة، ولا انفصال … هذه الحلوليّة، أو الكيانيّة، بين زوهراب ولوحته ، ليست هي الصدق مع الذات ومع الريشة فحسب، بل هي أبعد من ذلك، حتى لتصل إلى أنّ السنوات الطوال التي أمضاها زوهراب امام ألوانه وريشته، هي نفسها سنوات عمره، حتى لأخال هذا الفنان ممسكاً ريشته طالما هو ممسك بيومه وغده، فلا تهاون ولا استراحة ولا تقاعد… إنّها “اللوحة العمر” ، مع كلّ ما يحمل هذا العمر من أفراح وأحزان، ومن عواطف ساكنة أو عاصفة ، ومن ذكريات الزمن الماضي وعواصف الزمن الحاضر واستشرافات الزمن المستقبل، حتى لكأنّ عمر هذا الفنان كلّه مجتمع في هذا المخزون من اللوحات، الذي تكدّس مع تكدّس الأحلام والأفراح والأحزان والطموحات والخيبات والثورات والإحباطات، وصولاً إلى هذا العشق اللامحدود والمدهش للجمال الذي يخبّئه زوهراب، والذي يترجمه في لوحاته… هذا العشق الذي يشكل ثابتاً وسط كلّ هذه التحوّلات…

التجديد ضمن الوحدة

   وجه...
وجه…

في معرضه الجديد، يضيف زوهراب صفحةً على كتاب عمره الفنّي، وبرغم الثوابت الجماليّة التي تميّز لوحة هذا الفنان ، سواء في الخط أو اللون أو الرؤى، إلا أنّ ميزته هي في قدرته على التجديد من ضمن الوحدة، أو “التيمات”، التي رافقته في مسيرته الفنيّة ، وفي هذا دليل واضح على أنّ زوهراب بقي وسيبقى متصالحاً مع ثالوثه الجمالي: الطبيعة- المرأة- الرمز، مع حركيّة دائمة وفاعلة ومتوترة أحياناً، تدور وتتفاعل داخل هذا الثالوث بلا محدوديّة جماليّة.لا لسببٍ إلا لأنّ “الطبيعة” و”المرأة”، وما يرمّز إليهما من الأشياء المرئيّة وغير المرئيّة، كانا وسيبقيان المنهل الأساس للإبداع في صدقه وصفائه، بعيداً عن إسقاطات العصر وتجاوزاته، من عبثيّة وسورياليّة أو عدميّة ، وكلّها اتّجاهات كان لها من يترجمها في التشكيل بشكل أو بآخر، بنجاحات أو بإخفاقات، لكن من دون الوصول  معها إلى قواعد مدرسيّة أو نقديّة ثابتة، يمكن الركون إليها…

الروحانيّة الجامعة

السيدة بالرداء الطويل
السيدة بالرداء الطويل

ميزة زوهراب  أنّه “تغييري” لا “تكسيري”… هو كلاسيكي ورومانسي وانطباعي وواقعي ورمزي في آن… اتّجاهات فنيّة متعدّدة جمعها زوهراب في أعماله بالزيت، من دون قصد أو تكلّف أو ادّعاء، بل عفواً واتّساقاً مع روحه النازعة دوماً إلى روحانيّة كانت ولا تزال حادّة إلى درجة أنّها كانت كفيلة بجمع كلّ هذه الفوارق في النظريّة التشكيليّة، ضمن وحدة تعبيريّة جماليّة فنيّة فريدة يمكن أن نطلق عليها “الجمالية الزوهرابيّة”، التي قوامها مرّة أخرى ، المرأة الخارجة من جسدها، حتى في أقصى تجرّئه ، إلى الحلم، والطبيعة التي، مهما هدرت، لا بدّ ذاهبة إلى ربيع حاضر أو منتظر، وما بينهما رمزيّة نورانيّة تترجمها أشياء الطبيعة وما وراء الطبيعة، وهي رمزيّة شديدة الحساسيّة ومتوتّرة أحياناً، لكنّها تبقى، على أيّة حال، متصالحة مع مقوّميها ومتآلفة معهما ضمن هذا المدّ الروحاني الجمالي الذي يجعل من امرأة زوهراب جمالاً وحسب، لا يُقارب إلا بالظنّ أو برؤوس الأنامل في أقصى المحسوس ، والذي يجعل  من طبيعته صنواً للإنسان ومرتعاً له، حتى في أقصى حالات غضبها أو تمرّدها…

بهاء الحزن…

الجماليّة الزوهرابيّة
الجماليّة الزوهرابيّة

في معرضه الأخير، يغوص زوهراب مرّة أخرى في أبّهة الزيت وجماليّاته، كمادّة أساس من مواد التشكيل ، ليسجّل خطوة أخرى في مسيرته الفنيّة التي يتوالد بعضها من بعض، من دون المرور بمراحل محدّدة في التاريخ والجغرافية…

حسب زوهراب أنّه يرسم بصدق وحبّ وشغف، وأنّه يبقى متصالحاً مع نفسه كما مع موضوعه، ومن هذا الصدق تخرج لوحته بهيةً على حزن أو حزينة على بهاء… إنّها الحياة تنطق بريشة هذا الفنان، الذي يسجّل نقطة ضوء وجمال جديدة في هذا الزمن الأغبر…

   حوار...
حوار…
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *