“فريد الأطرش نابغة عصره”

Views: 364
غلاف كتاب "فريد الأطرش الموسيقار العالمي نابغة عصره"
غلاف كتاب “فريد الأطرش الموسيقار العالمي نابغة عصره”
د. سلوى الخليل الأمين

نحتاج ذاك الزمن الحامل رغائب الحب التي ما زالت تنسج من خواطر الأيام ذكريات الماضي الجميل، نحتاج الزمن.. زمن العباقرة في الموسيقى والطرب والإبداع، نحتاج مدرسة الفن الأصيل، والأسلوب المتميز، والعطاء المضني من أجل صوغ اللحن الأميز، والأغنية التي تبقى في ذاكرة الناس، ولا تسقط مع مرور الزمن.

د. سلوى الخليل الأمين
د. سلوى الخليل الأمين

نحتاج الموسيقار العبقري فريد الأطرش، ذاك الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في حضوره كما في الغياب، بالنبض الموسيقي العذب والجميل، وبالإرث الفني الذي تماهى عبر العالم، محلقا على أجنحة موهبة في الصوت والإبداع الموسيقي، ملأت سماء هذا الشرق فيض ألحان وأغنيات، ما زالت مطالع سعد لكل مغرم بالموسيقى الخلاقة والطرب الأصيل، ونواة عقل تجلى على عرش النغم، فأمطر غيثا من أغاريد عملاقة في مضامينها وتفاصيلها وأشكالها، هي تواريخ الفن العربي الأصيل والشرقي العريق، الذي رسمه الموسيقار الكبير فريد الأطرش، مسارات نورانية عصرنت زمانه، الذي كان زمن الكبار من الموسيقين الملحنين أمثال رياض السنباطي ومحمد القصبجي  ومحمد عبد الوهاب، ارتفعت نفحات انبعاث، اجتاحت الأسماع والقلوب، ولذائذ رغائب توقظ أحلام العذارى، وتتقاطر انتشاء هنيهات، وانهمار مسارات، حملت بوح الخواطر.. نهارات أرحب، سهلة الخطوات، لمن منحه الله موهبة عبقرية موسيقية، تجلت لديه بإيمان الواثق من قدراته الفنية والطربية، التي عنونت حضوره في الساحة الفنية المصرية فعل خلق وإبداع، لم يكن سهلا عليه اختراقه،  واخترقه بقدرات هائلة، لم يسبقه إليها أحد، بحيث كانت موسيقاه تشبهه، ولا تشبه أحد، من أعمال العمالقة في أرض الكنانة.

الكاتب المهندس محمود الأحمدية
الكاتب المهندس محمود الأحمدية

هو الأمير المعروفي العربي، الخارج من جبل العرب إلى مصر، في ظروف صعبة، وهو ابن العائلة الأطرشية العريقة المتجذرة في تاريخ جبل العرب، المجبول بالثورة والنضال والقيم والمبادئ والوفاء، حيث شاء له القدر الخروج على تقاليد الأسرة وإتباع  طريق الفن، كي لا تبقى الموهبة الربانية حبيسة الظروف والعادات والتقاليد. فكان وجوده في مصر هو المنطلق، وكانت مصر المكان الأرحب في ذاك الزمان لمن يبغي بلوغ المشتهى في مجال الفن، مع كل ما في ذلك من عقبات في ظل وجود عباقرة النغم والطرب، كالسيدة أم كلثوم والأستاذ محمدعبد الوهاب وغيرهم من أعمدة النغم والطرب الأصيل.

شهادة ازنافور

بدأت ألحان فريد الأطرش تنطلق في سماء مصر ومنها إلى الشرق العربي كله، بصوت شقيقته أسمهان التي حلقت ونافست الكبار بصوتها الشجي وأدائها المميز ومن ثم بأصوات العديد من المطربات والمطربين، وبدأ اسمه يلمع في القاهرة عاصمة الفن العربي بأسلوبه الموسيقي الذي أحدث خرقا جديدا متطورا في الفن الطربي والموسيقى العربية، عبر تزواج أصالة الشرق بما تأثر به من الموسيقى الغربية، محدثا صدمة كبرى في زمانه، أذهلت الكبار من فنانين عرب وأجانب، مما حدا بالمطرب العالمي شارل أزنافور إلى القول ردا على سؤال أحد الصحافيين خلال تقديمه حفلة في أوبرا القاهرة : لمن تسمع من الفناني العرب؟ أجاب : أم كلثوم وعبد الوهاب أصدقائي، لكن اسمحوا لي أن أقول إن معشوقي بامتياز وبالمطلق هو فريد الأطرش وأنا مؤمن بموسيقاه وعبقريته.

لقد انطلق الموسيقار الكبير فريد الأطرش في كل مواقفه  ومساراته الفنية، من أصالة محتد  وعنفوان أصالة ما ارتضت الهزيمة يوما، أمام كل أشكال التنافس في معركة اللحن والغناء، التي كانت تحاصره، لكنها لم تمنع تقطر نغمات عوده الرنان، الذي كان حين يمر بأنامله عليه، يهب جمهوره العاشق الولوع، ممتلأ طربا بفيض النغمات الساحرة، التي تنساب كسلسبيل ماء عذب بين الخمائل، تملأ المكان في بيسين عاليه بصمت الشغف للسماع والانتشاء.

أنا من ذاك العصر، عصر الموسيقار الكبير فريد الأطرش، الذي أحب وعشق وغرد وتجلى عنده الفكر صعدا على صداح صوته وأغانيه وألحانه التي اخترقت الحدود، ووصلت إلى العالمية،حيث كان اللحن لديه ظاهرة لم تكن عادية، ولم تستسلم لواقع البيئة التي خرج منها محملا بالتقاليد، لهذا جمع في ألحانه كل ثقافة الشرق والغرب الموسيقية، بنسيج خرج عن المألوف وتعدى العصر الذي هو فيه، بإبداع متميز لم يتقنه سواه من الملحنين الكبار، لهذا أسس من خلال ألحانه التي ساحت عبر العالم، مدرسة خاصة للموسيقى العربية، لم يستطع أحد غيره تسلق أعمدتها وتثبيت مداميكها وبلوغ مداراتها وابتكاراتها،التي عبرت الأدهار محلقة على تنهدات الوجود، ومضات رؤى وإبداع، حلق من خلالها فريد الأطرش في دنيا الفن، موسيقيا عالميا ومطربا أصيلا، تكامل مع كل أنواع الطرب الشرقي، محافظا على التراث والأصالة في النغم والتطريب.

ثروة وطنية

لهذا ليس غريبا أن يكون العام 2015 هو عام فريد الأطرش الذي أقرته منظمة اليونيسكو، وهذا الإعلان هو تكريم لفن الراحل الكبير، الذي ترك تراثا فنيا هو ثروة وطنية تخطت العالمية، حين قدمت مطربات عالميات شهيرات ومطربون عالميون كبار من روسيا وتركيا والهند  وفرنسا كداليدا  ومايا كازابيانكا بعضا من أغانيه إلى جانب الكثيرين غيرهم . والأهم أنه ما زال حتى اليوم في ذاكرة الجميع ممن عاصروه وممن هم من الأجيال المستقبلية، حيث لم تسقط له أغنية أو لحن في بحر النسيان والإهمال.

شكرا للمهندس محمود الأحمدية رئيس منتدى أصدقاء فريد الأطرش على كتابه الذي بين أيدينا “فريد الأطرش العالمي نابغة عصره”، لأنه وثق بإخلاص ووفاء كل المراحل التي رافقت مسيرة الموسيقار الفنان فريد الأطرش، باحثا ومنقبا، مسلطا الضوء على صفحات لا يعرفها الكثيرون ممن عاصروه بسبب ما كان يتعرض له في مصر من تشابك مسارات مع بعض الفنانين الكبار بحيث منع من إيصال أحد ألحانه للسيدة أم كلثوم.

عافاك الله يا صديقي على فتح هذه الصفحات المثيرة للإهتمام من حياة موسيقار عظيم أطل على سماء هذا الشرق العربي حاملا بين أنامله وفي حنجرته عبقرية إنسان لن يجود الزمان بمثله .

*كلمة الدكتورة سلوى الخليل الأمين في الحفل الذي أقيم في صوفر لمناسبة توقيع كتاب “فريد الأطرش الموسيقار العالمي نابغة عصره” لمؤلفه المهندس محمود الأحمدية، رئيس منتدى أصدقاء فريد الأطرش.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *