معارك وقادة
قراءة مفصّلة في موسوعة “من تاريخنا معارك وقادة
منذ فجر الإسلام وحتى عصرنا” لـ اللواء ياسين سويد
غالب سليقه
كاتب ومؤرخ
اللّواء الرّكن ياسين سويد إبن بلدة كفر حمام التيمية العرقوبية في قضاء حاصبيا، كان ومازال سنديانة شامخة في ذرى جبل الشيخ، وبلدته كفر حمام على برسخ من مجرى الحاصباني المتدفق خيراً وعذوبة من مائه، بالإضافة إلى أنه الرافد الأول لنهر الأردن والذي بمياهه عَمّد يوحنا المعمداني معلمه السيد المسيح (ع)، فكان التبارك والقداسة لتلك المياه ولكل من ارتوى منها فكان عطاؤه سلسلاً وعذباً وغزيراً كتلك المياه..
إذا من هذه المياه العذبة والمباركة انتعش وشرب اللّواء الرّكن الدكتور ياسين سويد فكان عطاؤه المميّز والغزير والذي يزيد عن الخمسين مؤلفاً تاريخياً وعسكرياً حيث أغنى المكتبات العربية والدولية والعسكرية، وتعدّى الكتابة باللغة العربية إلى اللغة الفرنسية، كذلك تُرجمت العديد من مؤلفاته إلى عدد من اللغات الحيّة، وليس بالكثير إذ كان منحهُ العديد من الجوائز والأوسمة، في مناسبات شتى، وآخرها كان تكريمه في استراليا وفي أرقى جامعاتها وبحضور وتشجيع من الجالية اللبنانية في ديارها.
وحيث أن المؤرخ الكبير كان أيضاً عسكرياً كبيراً ونشيطاً إذ دخل المدرسة الحربية عام 1950 وبقي في الخدمة الفعلية نحو أربعين عاماً حتى العام 1990 متنقلاً بين العديد من المراكز والمناطق والمناصب العسكرية، وتابع العديد من الدورات والدراسات العملية والنظرية في الكثير من البلدان الأوروبية والأميركية والعربية. ويُعزز هذه الثقافة الغزيرة أنه قد أكمل تحصيله العلمي أثناء خدمته العسكرية فنال إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية، ثم دراسات معمّقة لنيل إجازة الماجستير وليكمل ذلك بشهادة الدكتوراة في التاريخ وبدرجة مشرّفة من جامعة السوربون في باريس، وأستاذ سابق في الجامعة اللبنانية منذ العام 1984 – 1995 كلية الآداب. ويتقن بعض اللغات الأجنبية، باحث ودارس نهم ومكتبته المنزلية يزيد عدد كتبها ومراجعها عن الأربعة آلاف كتاب ومرجع.
هذا ما أغنى فكره وعطاءه فكان إنتاجه المميز رغم أنه في السادسة والثمانين من العمر، فقد أتحفنا أخيراً بموسوعته القيّمة (من تاريخنا معارك وقادة) وهي من تسعة أجزاء يُضاف إليها الجزء العاشر وهو الفهرس العام، ويزيد عدد صفحات كل جزء عن أربعماية صفحة وقد قسّم كل جزء بذكر المعارك والقادة حسب الحروف الهجائية مع إسهاب كلّي وتفصيلي مميّز وبلغة أقرب ما تكون إلى السرد التاريخي الحقيقي والواقعي.
وأنت يا صديقي القارىء حينما تتصفح إحدى تلك الأجزاء فإنك ستعيش ولا شك مع تاريخ وأسباب وتعليل كل معركة وكأنك في أيامها السالفة من حيث أبعادها ومصيرها ونتائجها، حتى أنك تنسى الوقت فيسرقك بعد أن يأخذ بلبّك ومن حيث لا تدري ولا تمل ..
في مقدمته عن هذه الموسوعة يبدأ بالسؤال.. لماذا هذه الموسوعة..؟
ثم يجيب: كنت قد انصرفت إلى كتابة التاريخ العسكري العربي الإسلامي فأصدرت كتابي الأول (معارك خالد بن الوليد) عام 1975، ثم (الفن العسكري الإسلامي) عام 1988، ومما شجعني أن هذه الكتب قد نفذت فوراً مما حملنا على إعادة طبعها أربع مرات، كذلك ترجمت إلى اللغة الفرنسية على يد ضابط فرنسي يُتقن اللغة العربية جيداً ويُدعة العقيد “روبير روجو Robert – Rougeau”. وفجأة راودتني الفكرة: لماذا لا أقدم على عمل جماعي فأكتب المعارك العربية الإسلامية وأجمعها في سلسلة من الكتب؟ فكان تأليف هذه المجموعة التي تحمل اسم من تاريخنا قادة ومعارك.
استغرقت مع هذا العمل المضني والشاق نحو ثلاث سنوات إلى أن تمكنت من إصدارها في وقتنا الرّاهن. غير أن تقسيم هذه المجموعة كان على الشكل التالي:
ذكر المعارك والثورات والحروب في كلّ من الأجزاء الستّة يتبع الأحرف الهجائية بحيث لا يحتاج القارىء أو المؤلف أو الباحث لجميع الأجزاء بل يعمد فوراً إلى التفتيش عن المعركة أو الثورة أو الحرف على حسب الحرف الذي تبدأ به، فمثلاً معركة “أُحُد” حرف الألف، ومعركة “بدر” حرف الباء ومعركة “التلّ الكبير” حرف التاء وهكذا دواليك.. حيث يعيد تفصيلاً وافياً ومسهباً لكل معركة، كذلك كتابة السيرة الذاتية لكل منها وذكر المراجع والمستندات في الأسفل من كل صفحة، وقد بلغت أجزاء المعارك ستة أجزاء، كما بلغت أجزاء القادة ثلاثة أجزاء فيكون المجموع تسعة أجزاء للموسوعة. ثم يتواضع ليقول: “إنني أزعم أن هذا العمل التاريخي كامل بل أعدّهُ ناقصاً فالكمال لله وحده وإنني بشر والإنسان معرّض للكثير من الأخطاء والسهوات ومع هذا أفتخر وأعتز بهذا الجُهد الفردي والشخصي والذي أنجزته في ثلاث سنوات من العمل الدؤوب، فكان من ضمن نشاطي الفكري والتاريخي والذي بلغ نحو الخمسين كتاباً”، وهذا سرد للتقسيم ومراحل كل معركة:
الفن العسكري عند العرب في الجاهلية :
إذ يقول المؤرخ (غوستاف لوبون) في كتابه “حضارة العرب” أن العرب كانوا يجهلون فنّ الحرب جهلاً تاماً وأنهم تعلّموا هذا الفن وأتقنوه في بضع سنين بعد ظهور الدعوة الإسلامية على يد الرسول محمد (ص)، كذلك خلال حروبهم مع الفرس والروم، وأن غايات الحرب عند عرب الجاهلية هو أولاً الغزو وثانيا الثأر وثالثاً الدّفاع عن العرين، وأسلحتهم كانت القوس والسّهم والرّمح والسّيف والدبوس والفأس والخنجر..
غايات الحرب في الإسلام:
يقول أن غايات الحرب في الإسلام كانت كما يلي:
- الجهاد في سبيل الله.
- الردع وصدّ الفتنة عن دين الله.
- التطلع إلى حياة أفضل ويستشهد بالآية الكريمة :” وجاهدوا في سبيل الله حق جهاد” سورة الحج، الآية 87. وقوله : “وجاهدو بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله”. سورة التوبة، الآية 41. وقوله :” قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”. سورة التوبة، الآية 29.
الشروط الواجب توافرها لدى المقاتل والقائد عند المسلمين:
شروط المقاتل هي البلوغ فوق سن الخامسة عشر، الحرية: أن يكون غير مملوك أي عبد، سلامة الجسد من الآفات المانعة، الشجاعة والإقدام وداخل في دين الله …
أمّا شروط القيادة : فهي التفاني في العقيدة، الإلمام بأمور الدين والدنيا، وقد لخّص المؤرخ (الماوردي) واجبات القائد المسلم بما يلي:
تسيّير الجيش – تدبير الحرب – سياسة الجند – حقوق الجهاد – مغايرة العدو – السلوك في قتال العدو.
التنظيم : لم يعرف العرب في جاهليتهم تنظيماً معيّناً باستثناء المناذرة والغساسنة أتباع الدين المسيحي الكريم. فقد كان المناذرة ينظمون جيوشهم بوحدات تُسمّى (الرهائن) وهي من 500 مقاتل وأخرى تُسمىّ الوضائع وهي من 1000 جندي مقاتل والصنائع حرس الشرق للملك.
غير أنه وباعتراف جميع المؤرخين كان التنظيم الأول للجيوش الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب إذ أنه نظمه وقسّمه على الشكل التالي:
- أمير الجيش يقود عشرة آلاف جندي ومقاتل وما فوق.
- أمير التعبئة يقود خمسة آلاف جندي ومقاتل وما فوق.
- قائد الكردوس (الكتيبة) يقود ألف مقاتل.
- آمر الأعشار (أو آمر السريّة) يقود مئة مقاتل.
- العريف يقود عشرة مقاتلين.
التعريف بالجهاز الإداري:
إذ يفصّل المؤلف الجهاز الإداري ثم الجهاز القضائي والطبي والتكتيكي والتعبئة وإستراتيجية الدفاع واستراتيجية الردع واستراتيجية الهجوم ونقل المعركة إلى أرض العدو ليتوصل إلى آداب القتال عند المسلمين والتزامهم الكلي بذلك من عدم قتل الأسرى واحترام قتل الأعداء، وعدم التمثيل بجثثهم.
احترام المواثيق والعهود:
قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود”. سورة المائدة، الآية 1. وقوله أيضاً : “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا”. سورة الإسراء، الآية 34. (https://rentalsfloridakeys.com/)
وصف لكل معركة:
يُسهب المؤلف في شرح تفاصيل ومراحل ونتائج كل معركة منذ فجر الإسلام إلى يومنا الحاضر وحسب اسم المعركة في حروف الهجاء دون الإلتزام بالتاريخ، فمثلاُ يبدأ حرف الألف ( أ ) بمعركة أبو قير التي جرت في 2 آب 1798 بين الأسطول الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت وبين الأسطول الإنكليزي بقيادة الأميرال نلسون مع وصف دقيق لمراحلها من حيث الموقع وعدد الجنود وجغرافية المكان مع الخراط، وأخيراً من كان المتصر والمنهزم وما هي الأسباب لذلك.
والحقيقة أن المؤلف لم يترك أي شيء يرغب بمعرفته القارىء أو الباحث إلاّ وذكره وقد التزم قدر الإمكان عدم الإنحياز رغم أن ذلك ليس موجوداً بين المؤرخين عبر التاريخ.
وينهي دراسته عن المعارك بحرف الياء وآخرها معركة “اليرموك” الشهيرة بين العرب والروم (تاريخها عام 13 هـ – 634م)، وتجاوز عدد صفحات دراستها الثمانية والأربعين صفحة مفصلاً كليّاً مراحلها ومن تناوب على قيادتها والإستنتاج من مصيرها وكيف دُعيت بمعركة العبور إلى بلاد الشام، وكيف ساعد نصارى العرب أخوتهم المسلمين وسواء ذلك .. وأنها في الحقيقة مفخرة العرب وعزّتهم إلى يوم الدين. وبانتهائها يكون قد أنهى الستة أجزاء المخصّصة للمعارك والثورات والحروب.
أما الأجزاء الثلاث: السابع والثامن والتاسع: فهي مخصصة للقادة وأبطال المعارك إذ نبدأ بالمجلد السابع مع حرف الألف (أ) بالقائد إبراهيم باشا المصري وإبراهيم أبو ريّة الفلسطيني وسواهم، وهو يُسهب في وصف كل قائد من حيث شخصيته وإخلاصه وتفانيه وشجاعته في الحرب ومراحل تاريخية وأين انتصر وأين هُزم. ثم مسيرة النبي محمد (ص) بكاملها وهي في نحو 44 صفحة. إنتهاء إلى حرف الياء سيرة البطل يوسف بك كرم إذ يقول فيه أنه أبرز الرجالات الذين عرفهم جبل لبنان في القرن التاسع عشر ذاكراً أين ترعرع وفي بيتٍ مارس الحكم بالتوارث. ويُسهب في تاريخ حياته وبطولاته والعديد من صفحاته المشرّفة والتي يبلغ عددها نحو خمسة وعشرون صفحة من هذه الموسوعة..
نهاية .. إن هذه الموسوعة تستحق الوقوف عندها واقتنائها لكل قارىء وباحث ومحبّ للتاريخ العربي والإسلامي إذ فيها ما يفي من الحقائق القديمة والموغلة في التاريخ بالإضافة إلى حقيقتها كون المؤلف قد رجع إلى أكثر من ألف مرجع ودراسة، وقارن بين العديد منها ويذكر اسم كل مرجع عند أسفل كل صفحة.
وُفّقتَ وُفّقت أيها المؤلف الكريم وأطال الله بعمرك كي تتحفنا من جديد بما يسرّ القلب ويُثلج الفؤاد كثلج جبلك الأشم جبل الشيخ وعذوبة مياه نهرك، نهر الحاصباني.
