قراءة في صورة المهرج

Views: 252

12717700_10153319445886437

د. ناتالي الخوري غريب

مجدّدا يجتاحه الفراغ المعتّق بالضجر… ذلك الذي كبر معه وبه كبر.

القلب البارد لا تحييه ذكرى، ولا يعشوشب فيه أمل.

وقد قتلوا فيه ذلك الملاك البريء باسم محيي القلوب.

القلب البارد يرقب السالكين على درب الحبّ، ولا يتمنّى أن يكون بينهم، لأنّه فقد إرادة التمنّي.

القلب البارد تجمّد فيه الشغف إلى لقاء، إلى “غدًا”.

القلب البارد لا ينتظر أحدًا، والدموع قد ضلّت درب مقلتيه…

القلب البارد يصيب حامله بشلل الحلم، فيرضى بأيّ مدفن يأتي إليه، ولو كان غير لائق…

القلب البارد لا يؤمن بالمعجزات والأعاجيب ولا ينتظرها ويضرب صفحا عنها… ويبقى المعلّق على الجدار معلّقًا خارج القلب.

القلب البارد يسامح، ليس كبرًا، بل لأنّه استوى في ميزانه الربح والخسارة…

القلب البارد لا يهرب من ماضيه ولا يضيق بحاضره ولا يرسم طريق غده، بل يترك للطريق أن تأخذه.

ملامح وجهه، هربت منها المرآة، ضاعت. والقلب البارد لا يبحث عمّا ضاع.

القلب البارد لا يقف ولا ينام، لا يشمخ ولا ينحني…لا يصرخ ولا يصمت. القلب البارد لا يبحث عن المعاطف، ولا عن النار.

القلب البارد لا لون له ولا يميّز بين الالوان، أبيضها وأسودها…

القلب البارد ما عاد يشعر. وصار من استحوذ على كيانه دهرًا كمن مرّ من أمامه يومًا… لا فرق، بين ظلّ وآخر.

القلب البارد، ميت، تأخّر الإعلان عن موته، لانشغال القوّالين بمناسبات آخَر.

 

القلب البارد ليس أعمى، لكنه يرى  أولى صفحات الأيام كآخرها، خطًّا واحدا من السأم… ينتظر الغلاف الأخير.

القلب البارد هو العاجز… الهارب من كلّ شيء، فكلّ ما كان يؤلمه هو كلّ ما كان يفرحه.

القلب البارد ما عاد يأوي الحنين، ولا الحنين يأويه، شريد في الدّنى، لا هي تتّسع له ولا هو ضيف فيها.

القلب البارد لا يحزن ولا يفرح، لا فراق يأسره، ولا وصال يبهره…

القلب البارد مشرّع الأبواب والنوافذ، لكنه لا يكذب ولا يتقن وضع الأقنعة، فوجه المهرّج ما عاد يخفي شيئًا.

القلب البارد يضحك كثيرًا ، ساخرًا من الحياة وألاعيبها… ساخرًا من نفسه لاعنًا إيّاها…

القلب البارد حرّ، حرّ من الندم، من القيد، من الإثم… لكن حريّته باردة مثله تمامًا… بنكهة الطعام البائت التي ترفضه القطط من موائد أسيادها.

القلب البارد هو المهرّج الذي تآكله السأم والضجر واللاأمل…

هو المهرج في تيه في ظلام، في سفر…

القلب البارد كائن غير مريض، قابع على كرسي اللامبالاة، بعد إن استنزف كيانه، ما عاد من داع ليرتق جروحه، لأنّه فارغ فارغ، لذلك لا يجرح أحدًا ولا يمكن أن يجرحه أحد

القلب البارد لم يعد لديه شيء ليعطيه، ولا يأخذ لأنّه لا يحتاج أمرا.

القلب البارد ما عاد يعرف أن يحبّ أو يكره. هو الفراغ الذي لم يعد يبحث عن امتلاء. وحده الموت يملأه.

القلب البارد صار أصفر بعد نزفه كلّ ألوان ذاكرته، تركها في بيته العتيق، ونفى نفسه إلى جزيرة قصيّة…

القلب البارد وحيد وحيد… وشريد… ينتظر الرحلة الأخيرة لتحمله بعيدًا بعيدًا…

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *