كفى

Views: 37

أيها المسلمون زاد عددكم

فلا تكثروا بعد من الإنجاب!

ok
 

رؤوف قبيسي

“النهار” 6 حزيران 2015

 
ينهى القرآن المسلمين عن التكاثر، وذلك بالآية التي تقول: “آلهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر”، ويختمها بما يشبه التحذير: “كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لتروّن الجحيم”.
لا تذكر الأناجيل وأسفار العهد القديم موضوع الإنجاب. وحده القرآن يتفرد بالتطرق إلى هذه المسألة ليقول ما معناه: التباهي بالكثرة من الجاه والولد حرام. النوع أفضل من الكم. ولد صالح خير من عشرة قد نفشل في تعليمهم وتثقيفهم. مع ذلك لا توجد أمة في الأرض تزداد معدلات الولادة فيها، كما هي بين الأمم المحسوبة على الإسلام! (Ultram)
في العام 1950 كانت مصر 20 مليون نسمة، وبريطانيا 50 مليون نسمة. اليوم صار المصريون 85 مليوناً، والبريطانيون 65 مليوناً، وإذا اقتطعنا من سكان بريطانيا 15 مليون نسمة، عدد من هاجر إليها وتجنّس بجنسيتها منذ ذلك التاريخ، وجدنا أن عدد السكان الأصليين بقي على حاله، أي 50 مليون نسمة، في حين زاد المصريون 65 مليون نسمة!
رقم مرعب، يجعلنا نتساءل: كيف كانت مصر يا ترى لو أن المصريين حذوا حذو البريطانيين وبقي عددهم على حاله؟ حتماً معدلات الأمية والأوبئة والفقر فيها كانت لتكون أقل، والبلد أكثر نظافة، وأبهى عمراناً، وأفضل صحة، وأكثر تقدماً، وأنقى بيئة، وأقل ثقلاً على نفسه وعلى جيرانه، وعلى البشرية جمعاء، وفوق ذلك كله، أقل حاجة إلى القروض والمعونات!
إذاً، لماذا حدث في مصر ما حدث، حتى تصل نسبة الأمية فيها إلى 30 في المئة، ويعيش ربع شعبها تحت خط الفقر، ويعاني عشرة ملايين منهم، أمراض الفشل الكلوي الناجمة عن تلوث مياه الترع؟!
أهو الإسلام يدفع المسلمين إلى مزيد من الإنجاب، حتى كثر عددهم إلى هذا الحد، أم الفهم الخاطئ للنص؟ سؤال يتعين على “أولي الأمر من الأمة” أن يجيبوا عنه، ويجترحوا الحلول لمشكلات شعوبهم قبل أن تدخل البلدان “الإسلامية” في نفق لا ضوء فيه ولا نهاية، من الآن، وإلى “أن يرث الله الأرض ومن عليها”.
عن مصر “أم الدنيا” و”النهر الخالد”، كتب نجيب محفوظ مرةً: “كانت لنا في مصر مدينة أوروبية اسمها الإسكندرية”. نعم الإسكندرية، المدينة التي كانت إحدى المدن الجواهر على المتوسط، والتي سكنها فنانون وأدباء وشعراء شرقيون وغربيون مثل اليوناني كفافيس، ووضع لها سيد درويش أجمل ألحانه، وغنّت فيروز جمال شواطئها، وكتب عنها لورنس داريل رباعيته الخالدة، وألّف إدوار الخراط عنها كتابه الجميل “ترابها زعفران”، إذهبوا وشاهِدوا ماذا فعل بها التكاثر. عودوا إلى صورها وأفلامها القديمة يوم كانت بحجم نفسها، وكيف أصبحت بعدما تضخمت وأنهكها التكاثر والتلوث!
لنترك مصر ونذهب إلى إيران. في العام 1950 كان الإيرانيون 18 مليون نسمة، اليوم عددهم 81 مليون نسمة! لا فرق إذاً هنا بين عربي وأعجمي، “كلهم في الهوا سوا”، يختلفون في شؤونٍ عمرها من عمر الإسلام، أما في مسألة الإنجاب فهم متساوون كأسنان المشط، موحّدون على طريقتهم، غير آبهين لما في النص، خارجين عنه إلى حد الكفر بالإنسان، كقيمة وروح وجوهر، وبطبيعة الأرض التي تكاد اليوم تضيق بسكّانها وندرة خيراتها.
في القرآن “الأرض يرثها عبادي الصالحون”، وفي الأناجيل: “كل شجرة لا تثمر تقطع وتلقى في النار”، هذا يعني أن الحياة لا تتألق إلا بالأخيار، أصحاب السواعد الطيبة والعقول الذكية المثمرة المنتجة على كل صعيد، والوحيدة المؤهلة لترث الأرض وخيراتها. في سورة الكهف قصة من أجمل قصص القرآن عن “نبيين من أنبياء الله”، هما الخضر وموسى. تقول القصة إن الخضر أراد السفر وحده، ولم يشأ أن يصطحب موسى وقال له: “إنك لن تستطيع معي صبراً وكيف تصبر على ما لم تحط به خُبراً”. لكن موسى يلحّ على الخضر ليسافر معه ويقول له: “ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً”. يوافق الخضر أخيراً، فيحدث وهما في الطريق أن يرى الخضر غلاماً فيقتله، فيقول له موسى: “أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نُكراً”، فيردّ عليه الخضر: “ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً”، ثم يشرح له قبل الفراق، أسباب أفعال قام بها أثناء الرحلة، ومنها قتله الغلام، ويقول له إنه فعل ذلك بأمر من ربّه: “وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاة وأقرب رُحماً. وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً”.
ما المعنى الذي علينا أن نستخلصه من هذه القصة المدوّنة بإيجاز لغوي لا نظير له، غير القول إن اللباب غير القشور، وإن الجوهر غير العرض، وإن النوع أفضل من الكم، وإن شجرة تثمر خير من شجرة لا تثمر، وإن ولداً صالحاً خير من ألف ولد طالح.
هل تريد أن تعرف أيها القارئ الكريم حجم الزيادة الذي طرأ على عدد السكان في ألمانيا وإيطاليا منذ 1950؟ كان الألمان يومذاك 67 مليوناً، وبقوا 67 مليوناً، أما الزيادة، 15 مليون نسمة، فهم الأجانب الذين وفدوا إلى تلك الدولة وتجنّسوا بجنسيتها. إيطاليا كانت 50 مليوناً، وزادت ثلاثة ملايين نسمة، أما الملايين العشرة الإضافية، فأجانب صاروا “طلياناً”.
لو أن سكان أوروبا زادوا منذ 1950 بنسبة زيادة سكان “العالم الإسلامي”، إلى أيّ حد كانت معدلات البطالة والتلوث والفقر والجريمة بينهم لتكون؟ لو أن الصين لم تكبح جماح شعبها وتحدد معدلات النسل، وزاد عدد سكانها بنسبة زيادة الباكستانيين؛ أي نتيجة كانت لتكون؟!
نقرأ أن باكستان كانت 38 مليون نسمة في العام 1950، وهي اليوم 198 مليون نسمة، أي بزيادة 160 مليون نسمة، هذا في وقت يدعو القرآن المسلمين ليكونوا خير أمة أخرجت للناس! أيّ أمة هذه التي عناها القرآن وأرادها أن تكون خير الأمم، إذا كان كل ما تفعله هو ضد حاضرها ومستقبلها؟ في العام 1950 كانت الدانمارك 4.300 ملايين نسمة، وكانت الجزائر (زمن الإستعمار!)، 3.500 ملايين نسمة، اليوم صارت الدانمارك 5.400 ملايين، بزيادة 900 ألف نسمة، معظهم أجانب مهاجرون، في حين صارت الجزائر 35 مليون نسمة، نعم 35 مليون نسمة، يعيشون على أرض ماؤها ليس كافياً، ويحتاجون إلى مليون مسكن جديد!

m

أظهر تقرير أصدرته “وكالة الأنباء الإسلامية” تفشياً مذهلاً للأمية في الدول الإسلامية لا تقل نسبته عن 40 في المئة. 57 “دولة إسلامية”، تضم أكثر من مليار ونصف مليار، يقرأون أقل مما تقرأ دولة مثل انكلترا، فيما “المسلمون” يرددون قولا منسوباً إلى نبي الإسلام فحواه “أطلب العلم ولو في الصين”! 57 “دولة سلامية” سكانها أكثر من مليار ونصف مليار حازت 11 جائزة “نوبل”، منذ بدء العمل بهذه الجائزة في العام 1901، بينما إسرائيل، البالغ عدد سكانها أقل من تسعة ملايين نسمة، حازت 12 جائزة، وهولندا التي لا يبلغ عدد سكانها أكثر من سبعة ملايين نسمة، حازت 19 جائزة، والنروج التي يبلغ عدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة، حازت 13 جائزة، والدانمارك بسكانها البالغ عددهم أقل من سبعة ملايين نسمة، حازت 13 جائزة. أليس من الخيبة أن دولة صغيرة مثل النروج، تحصل من الجوائز على عدد يفوق ما حصلت عليه 57 دولة “إسلامية”؟! هناك من سيقول: على رسلك يا محترم، ألم يتناهَ إلى سمعك بعد، أن الهيئة المشرفة على “نوبل” صهيونية؟! كم سقيمة ومحزنة نغمة هذه الأسطوانة التي سمعناها وقرأناها الآف المرات. نغمة العاجز هي، تهمة “الذين لا يعملون ويؤذيهم أن يعمل الناس”، كما كتب طه حسين مرة.
ماذا يخسر العالم لو أصيبت الأرض بزلزال، وغرقت الدول الإسلامية كلها في البحر؟ هل تخسر البشرية شيئاً واحداً تحتاجه من هذه الدول؟ حبة “بانادول” واحدة، دواء لمرض، هاتف ثابت وآخر نقّال، باخرة أو دبوس، شيء واحد فقط تحتاجه هذه البشرية لتعيش وتستمر؟ كلا، لن تخسر شيئاً، إذا غاب هذا “العالم الإسلامي” الواسع الشاسع من الوجود، لكنها سوف تفقد “شيئاً ما” إذا غرقت دولة صغيرة مثل فنلندا أو هولندا، وسوف تكون الخسارة كارثة، إذا غابت عن مسرح الحياة دولة مثل فرنسا، أو إيطاليا، أو إنكلترا، أو ألمانيا، أو روسيا، لأن ما قدمته أي دولة من هذه الدول، ولا تزال تقدمه من إرث حضاري، منذ 500 سنة إلى اليوم، يفوق بما لا يقاس، عطاء الدول الإسلامية مجتمعة.
طبعاً لا أحد في ضميره ذرة خير يتمنى أن تغرق في البحر دولة إسلامية أو غير إسلامية. لكن، في المقابل، على المسلمين وقد كثر عددهم إلى حد مخيف، ألاّ ينجبوا أكثر من طفل أو طفلين، بعد أن يوفروا لهما سبل الحياة الحرة الكريمة، وإلا فإن الإنجاب هنا يغدو جريمة في حق الطفل والطبيعة والإنسان، وخروجاً على روح الآية التي تقول: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”.
* * *
نسيت أن أخبرك عن اليهود، “أعداؤنا وأعداء الله” أيها القارئ الكريم! هؤلاء استوعبوا القصة جيداً، فاستبدلوا مرض الكثرة بعقار النوعية، وأصابوا أعلى المراكز وأخطرها في العالم. هل تعرف ما يطرأ على أعدادهم كل سنة؟ هوذا الجواب أقدمه إليك على طبق من فضة؛ إنه يتراجع! نقص بنسبة 300 ألف في عام واحد، حسب “معهد الوكالة اليهودية”. هل أرضتك هذه “الحقيقة” أيها القارئ الكريم؟ لست أدري. لكن ما أنا واثق منه أشد الثقة، أن هذه “الحقيقة” سوف ترضي الكثيرين من العرب والمسلمين، وتجعلهم يتنفسون الصعداء، لأنه إذا استمر هذا التراجع “المأمول” في عدد يهود العالم، فسيأتي يوم وينقرضون، كما انقرضت شعوب كثيرة عبر الأزمان. عندها لن يحتاج الفلسطينيون إلى “قادة تاريخيين”، لأن “الوطن السليب” سيعود عربياً بكامل ترابه، ومن دون أي مقاومة، وتعود القدس عربية، تخفق أعلام العروبة عالية فوق هضابها، ومعها يخفق قلب شاعر مثل سليمان العيسى في لحده ليردّد من جديد:
“أمة العرب لن تموتي/ وإني أتحداك باسمها يا فناء”!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *