حبيبي مش قاسمين…

Views: 27

على المسرح وفي الحياة

hiam kairouz-2.jpg

هيام كيروز


سرير، جدار بشبكة عنكبوتية وملابس نوم: ديكور ثابت كافٍ لتكوين عناصر مشهدية موحية، شاءتها الممثلة رلى حمادة في مسرحية من كتابتها: «حبيبي مش قاسمين».
لا تبدو المسرحية للوهلة الأولى ذات طموح كبير: ثنائي مسترسل في تفاصيل الحياة اليومية من لحظة الاستيقاظ حتى أوان النوم. حوار بسيط يؤطر عالماً مصغراً متكاملاً.
تحية مسائية نافرة في حدّتها Bonne nuit، إغلاق الكتاب بعصبية يرافق إطفاء الضوء، وفي لحظة فارقة تضع حداً لحوار اليوم العادي، يتناهى ضجيج يتبعه دخول متوتر لشاب يتبيّن أنه لاجئ سوري هارب من ملاحقة القوى الأمنية.

       ملفت عدم الإفراط في استخدام اللاجئ، وتعمّد وجوده لدقائق بما يكفي لخلق حالة جدلية وللقفز من آنية الحدث لحساب الواقع الزوجي، ولوضع تفاصيل هذا الواقع على المحكّ، والنفاذ إلى ما وراء الواقع، إلى أسراره وكواليسه.

1
رلى حمادة

الأزمة الراقدة تحت وطأة التعايش فجّرتها مكاشفة صريحة لحياة برمّتها. الزوجة تستحضر السنوات بشكل بانورامي من يوم الزواج إلى اليوم الحالي، وتستعيد الأحداث بنقرات صغيرة هي أشبه بضربات الريشة تسلّط الضوء عليها بصراحة لم تعد تحتمل الغفلة ولا السذاجة. معاناة الزوج تحوم هي الأخرى في الأجواء مساءلة وتبسيطاً للخيانة.
تتبدّى رمزية غرفة النوم: السرير والملابس، في كل ما تحمله من دلالات الحميمية والخصوبة ولكن أيضاً العقم والانفصال. هنا يبدو جسد المرأة بعيداً عن الغواية ملابس نوم الزوجة فضفاضة بما يكفي لتحوي إنسانة تتفاعل مع ما تتلقاه وتظهر ما يعصف بها من مشاعر. (www.sapns2.com)
كما حقّقت الشبكة العنكبوتية التي تصدرت خلفية المنصة رسالة الأسر الذي يزجنا به الواقع.

hiam-kairouz-3
رلى حمادة وعمّار شلق

مسرحية قوامها نزع الأقنعة، تنطلق من النوستالجيا، تمرّ بالخيانة وتصل إلى التشكيك بمسلمات الزواج، مسلمات غالباً ما تكون تغطية لواقع مرير تفرضه نظرة المجتمع. إذا وضعنا مقابل كل عبارة تفسيرها العميق، وجدنا أنفسنا حيال ثنائية واضحة، وبين حدّين إشكاليين، الذكورية في اعتدادها بذاتها من جهة، وفي اعتمادها على مخزون الهدوء لدى الزوجة من جهة أخرى يقابلهما زوجة استهلكت سكوتها والرضوخ إلى نقطة بدأ يتحضر فيها الصقيع بأشكالٍ مختلفة.
تميّزت المسرحية ببساطة السينوغرافيا على طريقة السهل الممتنع، فالنص حمل دلالات وجماليات خاصة شعرنا بها من خلال الأداء العميق للنجمة رلى حمادة التي تمثل مدرسة منفردة في أدائها مع تكثيف شديد للفعل الدرامي، يظهر جلياً في طاقتها المتميزة على الانتقال من حالة إلى حالة، إلى درجة يصعب معها رسم الحدّ بين السخرية والجدية، بين المسالمة والعنف، بين الضحكة والدمعة وبين الابتسامة والغضب، بحيث تبدو هذه الحالات حلقات متصلة ومنصهرة في مشهدية متألقة ساهم في تشكّلها الممثل القدير عمار شلق الذي نجح في منح الحوار بعده الواقعي، وجعلنا نستمتع بعرض دسم على بساطته، فيما تمكّن الممثل مصطفى حجازي في مروره السريع من توسيع مجاله التمثيلي من الشخصي إلى العام وذلك في تمهيدية لسياق النص.
وجود اللاجئ السوري والإيقاع المتسارع لحركاته الناتج عن الخوف، يخلقان حوارات سريعة تتدافع كمياه وترفد بعضها بعضاً.

c17n3

       بدا توظيف «الطارئ» السوري وسيلة لطرح أفكار متباينة من الوجود السوري، ميزتها أنها لا تصبّ في خانة المواقف السياسية ولا تستعرض كليشيهات مستهلكة. لكنها، يا للمفارقة، تقود إلى مستويات غير متوقعة، حين، في تعاطف متأت من وحي اللحظة، تضمّ عايدة (الزوجة) اللاجئ إليها في حركة شفافة حيّة ومتأججة، بدت كصرخة ضدّ الموت والبغض والقلق والحرب وكتجاوز مؤثّر لنفسها لاحتضان تعطش اللاجئ الآخر للدفء العائلي وإظهار تعطشها العاطفي المكبوت.
الإيقاع السريع للحوار الذي تماشى مع السينوغرافيا الموحية، حركات الأجساد والإضاءة مدعومة بالأداء المنضبط للمثلين، كل هذه العناصر مجتمعة أبرزت الرؤيا الإخراجية لموريس معلوف، التي اتسقت بوضوح مع النص والذي تمتعنا برؤيته خلال ساعة تقريباً، هي مدّة العرض.
لا تدّعي المسرحية المعالجة ولا التحليل، ولا تقع في فخ الخطابة بل تبدو مقاربة لواقع ملازم للكثير من المتزوجين.
يكشف السؤال الأخير الذي طرحه الزوج عن الثقافة الذكورية التي لا ترتضي للمرأة ما ترتضيه للرجل، هي ثقافة معلقة لا تتحوّل إلى نقد للذات، وهو سؤال يفتح في الوقت عينه نافذة لاستمرارية هذه الحياة وإعادة تشكيلها بعيداً عن المراوغة.

hiam-kairouz-4

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *