مسرحية لبنانية في سبع دقائق!
د. كارولينا الخوري عبود البعيني
سبعُ نقاطٍ في سبعِ دقائق، وكأننا ابتداءً من التوقيتِ استخلاصٌ لمحاولةِ حضورٍ قبلَ أن تغيّبَ في مسرحيةٍ لبنانيةٍ أرادها دكتور عون في فصلِ الاجتماعياتِ حيّةً واقعيةً، خطوطُها تأويليةٌ ومكوّناتُها عناصرُ حلقةٍ بحثيةٍ علميةٍ كاملةٍ ابتداءً من الملاحظة، فالمشاهدة، فالوصف، فالتحليل فالفهم ثم الانتقال الى الحقل العملي.
أولًا: عناصرُ المسرحيةِ تستدعي تأويلَ الذاتِ اللبنانية فهي أبدًا ظاهريةٌ سطحية، لباسُها أنيق دون حضورٍ فاعل، هي إذا حاضرةٌ غائبة بسبب اغترابِها الدائم وهذا جذرُ التفكيكِ والالتواءِ وأصلُ العلةِ في المعلول.
ثانيًا: الذاتُ لبنانيةٌ وفي بعضِ حالاتِها حاضرةٌ متيقنة،غيرَ أنَّ الظاهرَ في مجرى الأدوارِ يمعنُ فيها تغييبًا، ففي تيقنِها شذوذٌ في أرضٍ بات اللاشذوذُ فيها مرضًا خطيرًا.
ثالثًا: أعنفُ مشاهدِ هذه المسرحية، هذا الخواءُ المغنطيسيُ الذي يستهوي الامتلاءَ الفارغ. ففي كل فردٍ جماعةٌ والجماعةُ منصهرةٌ في فردٍ حاكمٍ متسلطٍ، والذاتُ زائغةٌ ممغنطةٌ من كثرةِ الكورِ دون محور لا بل من كثرةِ الحورِ دون حوار. (www.cbnasia.org)
رابعًا: إن أحكمتَ التريثَ والاقترابَ من بنيةِ الاضطرابِ البنيوي، وجدتَ أن لاعبي الأدوار يتقاذفون عناصرَ البقاء، بطلتُهم امرأةٌ قد أيقنَت أن الوجودَ معتركٌ مطويٌ في دهاليزِ حقيقةٍ غيرِ هنية.
خامسًا: يظهرُ جليًا في كواليثِ إعدادِ مجموعةِ المتناقضات التي رسمها دكتور عون في الاجتماعيات اللبنانية، عرضٌ دائريٌ مسهب، يُبرز من جهة عجزَ التربيةِ في تأهيلِ اللبناني الى اللاعنف، و من جهة أخرى نماذجَ مدلولاتٍ منهجيةٍ تربوية، تحدد مفاهيمَ وأطرَ الثورة اللاعنفية.

سادسًا: أهؤلاء هم اللبنانيون؟ نعم هؤلاء هم اللبنانيون… هؤلاء هم نحن… ونحن لبنانيون وعالمون أن وعيَ الذاتِ تمرّسٌ وأنَّ حضورَها فعلُ تمرّسٍ وكفاءة، فعلُ ثقافةٍ ومساءلةٍ وفعلُ نقدٍ ذاتي. وهذا بالضبطِ ما التزمنا استنباطَه جهرًا من معالم الاجتماعيات الممروضة التي تسترهبُ الحقائقَ الوجودية، فتدفنُها حيةً وتضمنُ ابتعادَها عن إطلالاتِ معالمِ الثوراتِ الحقةِ الشديدةِ الارتباطِ بقولِ الحقيقة. تلك الحقيقةُ التي يسببُ الهروبُ منها توعكاتٍ في الوعي الكياني، مما يسوقُ الفردَ سوقاً من سيئ ٍالى أسوء، ومن غربة ٍ الى اغتراب.
لذا، نحنُ اليومَ، ومِن على هذه المنصةِ اللبنانية، على مشارفِ نداءاتٍ لاستفعالِ مجالاتِ الحكمةِ الفلسفيةِ في عمليةِ تذاوتٍ، واستنهاضٍ لمجالاتِ تفكرٍ مغيبة، واستنباتٍ لمخابرَ فلسفيةٍ غيرِ مهجّنةٍ، للمُضِيِ في ضخِّ الفلسفةِ بطابعِها الجدلي النقدي، منذُ نعومةِ الأظافر. هو مشروعٌ تربويٌ متكاملٌ منذُ الحلقاتِ الأولى، نضعُه بين أيدي المتفكرين أمثالِكم، كل في نطاقِه، لتتوسعَ دائرةُ الطاقةِ الفاعلةِ بينَ داخلِنا وخارجِه أي بين الذاتِ والمجتمع بهدفِ الالتئامِ العمليِّ للمجالين وهو المعضلةُ الأساسُ في ما نبحث.
سابعًا: لقد غيّبنا البذارَ عمقًا وتوارياً، والأرضُ هي أرضيةُ الذاتِ اللبنانيةِ. وقد حانَ الوقتُ للزرع أن ينبئ بحصاد أمينِ الخصب، متينِ الوعي، متيقّنٍ بعد طمرِ البذار. هذا ما نتبيّنُه يوميًا من نتائجِ الفلسفةِ التي أردناها عياديةً تعملُ على توجيهِ الأفرادِ للتعرفِ على ذواتِهم الكامنةِ في لبِّ كونٍ يأبى وجودَها غيرَ الفاعل. إنّنا مع قاصدي الفلسفةِ العياديةِ – وهم أيضا لبنانيونَ مصابونَ بالاضطرابِ البنيويِ في ذواتِهم – لمتلمّسونَ مجددًا عناصرَ استعادةِ الذاتِ المتعقلةِ وغيرِ المغيبةِ وفقَ حواراتٍ علميةٍ بجدليتِها وتراتبياتِها المنطقيةِ، والعملُ على قدمٍ وساقٍ يوثِّق أنماطَ استعادةِ الصحةِ الذاتيةِ وانتشالِها من توعكِها المزمنِ وفق دائرةٍ تتوسعُ يومًا بعد يوم.
خلاصةُ القولِ: في كتاب الدكتور عون وتحديدا في الاجتماعيات اللبنانية، دعوةٌ مصقولةٌ لإنقاذِ ما تبقى بعد عاصفة العوارضِ الاضطرابيةِ التي أصابَت الذات اللبنانية. هي دعوةٌ لإنزالِ الفلسفةِ الى أرضِ الواقع – وهو حالُ مسارِنا في الفلسفةِ العيادية – فهي الوحيدةُ التي تتقنُ حوار الذاتِ مع ذاتِها وتُعلّم حوارَ الذاتِ مع الآخر.
نحن لبنانيون أيضا ومتيقّنون أنّ مشروعَ الألف ميل قد بدأ بخطوتِه الأولى، وإنّا وإياكم على بلوغ الهدف عازمون ، والغد كما دوما لمترقّبه قريب…
****
(*) القيت في ندوة “الفلسفة في معترك الإصلاح في الاجتماع اللبناني” انطلاقًا من كتاب مشير عون “أهؤلاء هم اللبنانيون؟”، 19 حزيران 2019 – مسرح بلدية جديدة المتن – البوشرية – السد.