هوى الروح

Views: 669

مصر- هدى حجاجي 

دوما يجعلني ذلك الغياب أغوص في وجدانها، أدخل عالمها مختبئة حتى أمكن صديقتي من حرية البوح . 

فقط معه أشعر أن للسعادة طعما مختلفا، وللحياة لونا آخر غير الحزن ألم بي في غيابك وفي رحيلك، هذا الحزن المقدس الذي كان يدعوني للغناء فلم أجد غير العزف يلوذ بي  في صحراء بلا أغنيات .

يوما حدثتني عن دقات قلب متزايدة ونوم يرفض زيارتها وصوت فيروز ونجاة الدافئ الحنون يحتضنها … ينجب منها لحنا تحبه وتخافه فما كان منها إلا أن أرسلت لها أغنية اخرى تفيقها من الحلم .. من الوهم .

تهبط بها من السماء إلى الأرض ملاذ جيد من الوهم .. وتصعد السماء حيث تكون حلما جميلا .

أيها المسافر البعيد خذني معك حيث أنت وحيث أنا. 

كان مولاي عاشقا ببساطة ولكن الفقر هو الذي يعقد كل شيء “…”

قرأت البطلة تلك الجملة لزوجها فقال: 

وما الجديد في ذلك الفقر يعقد كل شيء، ترى ما العجيب في هذا القول القول عزيزتي ؟

 لا شيء عجيب فيه . ولكن الفقر اصبح هو العمود الفقري لهذا المجتمع وهو ايضا الحبل السري. القت ما بيدها وقالت انظر.. وكانت لوحة زرقاء الألوان من لوحات الرسام “دوقي” معلقة على الجدار في سآمة وملل، وكانت هناك كتب كثيرة ارتفعت حتى بلغت السقف .. وكان الليل وقف هناك وكانت السآمة قد بلغت حدها  وأفضت على الغرفة رائحة لا تطاق ..اضجعت المرأة على أريكة مستطيلة تطالع صفحة من صفحات الأدب المعهود لدينا وليكن ذلك القهر الذي لا مفر منه، ثم تضعه الى جانبها وكانت نقط الانقطاع غالبة على الأشياء  المكتوبة بكثير.

وكانت البطلة .. تبحث في شبه ظلمة الغرفة  على وجه المؤلف حتى اذا ظفرت منه بنظرة أو هيئة جسدية ما،، أو ابتسامة بالأخص  سالت على خديها الدموع .. علامات ثأثير مانع كأنه ماء مسحور فكانت تخلق بجميع حواس  بدنها ذلك التاجر الفارع القامة  البائع للرمال .. فينقلب الزمان الذي مضى وفات ويصبح شيئا مفقودا .

 كانت عاشقة 

ذلك الوجه الناري وجه المؤلف ..

لقد اختارت السعة الطافحة، سعة المغامرة الناطقة بين صفحات كتابه 

 فكانت المأساة لذيذة الطعم .. حلوة المذاق 

وصار المؤلف هوى الروح …

كان المؤلف قد عشق الحرف منها وكان مولعا .. يطالع صحيفة “لوموند” كل مساء وكان قد انبهر بها وخانته قواه من شدة ما تعلق بها .. المجد لك والعذاب لنا.

النساء في قريتي اغلبهن ارامل .. فمن اعزى فيك يا وطني .. صار المؤلف يذوق معني المأساة الحقيقية هنا ربما فاز بنص جديد او ببطلة لروايته الجديدة وصار القطار هو المفازة والخراب .. كان حاضرا هناك معها .. أن صور الترمل كثيرة متنوعة،، قالت في نفسها أن امرك قد انتهى سيدي ولكن بقيت هذه المرة الدموع متحجرة في عينيها وربما رحلت بعيدا حيث لا يراها هو ومجموع الناس ..

يبقى التأثر،، كان يسيل على خديها  وعلى صدرها وكانت خطوطا صورة كتفي زوجها مرتسمة علي جريدته .. كتفاه يبدوان لها كأنهما جدار قصير ثغين ودعي مضحك . كالنصبة اللزجة الملمس المنصوبة في الطريق الرملية التافهة الطعم .

 ان السنوات  المتخلفة في أول عشيات الخريف لا تنظر الى الصيف الراحل ولو نظرة واحدة ومع ذلك فأن الرجل وهو (المؤلف) قبل أن يتعود المنامة وبدلة البيت (البيجامة ) والتليفون الفصيح والابتسامة الدسمة بعض الدسم .. لقد أحبته في السابق وهامت به وأما اليوم فقد أصبحت رقيقة غائبة تعاشر خيالا من خيالات الكتب .

كان (المؤلف) يطالع صحيفة ((لوموند )) كل مساء وكان قد أنبهر وخانته قواه من شدة ما تعلق ..وعلى ذكر الانبهار كان مصابا بداء الخناق كلما تحدث افتعل معها المشكلات الى ان صار جزءا لا يتجزأ منه .. ولقد أعوزته خصلة لازمة هي عين ما يلزم لكي يصبح الانسان شيئا يذكر ألا وهي أن يعرف كيف يكون لا شيء ..

وان ينظر الى الشارع وان ينظر الى السماء .. وان يتصور ان السماء قد زاحمتها دموع الفقراء والبائسين وتلاميذ المدرسة والحرفين الأولين من حروف الاسم واللقب محفورين على القمطر الأسود .

 وان يتصور البيت المبني من الطين الني في الريف والسقف الخشبي وهو يرم ضفتيه ويقضمهما قضما،، أو نهر ((المسيسيبي)) وهو يصف جناحيه  كالطائر .. وساحة السوق وبائع الثياب القديمة البالية المهلهلة 

او الميكانيكي أو الفلاح تحت الشمس .. أو يتصور ذلك الشاطئ وقرص الشمس عند المغيب لك ان تذكر كل هذا .

ذلك الشاطئ الحزين وقد غادرته البطاقات البريدية وتلك الحسرة التي يلج البحر بها في خلقها واعادة خلقها من جديد لك ان تتصور كل هذا في الافق البعيد الممتد …

ولك ان تتصور ايضا تلك المعاناة .. الأب العائل المعيل وهو يسعى جاهدا ويكد لآخر النهار حتى اذا عاد لم يكد يجمع ما يسد حاجته ..لك ان تتخيل الأب العائش فيها المطمئن والعالم يضج من حولك بما هو اكثر من ذلك . وان تتصور ايضا ذلك القارئ وهو ينتظر من الناس ان يؤلفوا عوضا عنه رائعة من روائع الأدب   .. وان يعبروا عوضا عنه عن الأمور التي يكتب له أن يعيشها ..وأن يتصور  بالأخص قصور السخاء  والترف والعبث بالكلام وصلف الألفاظ، تلك الألفاظ التي خلفتها ريح الكراهية .. ريح ماكرة في سبيل الأمل،، في صبيحة يوم برد وسلام 

ان الانسان قد يشقى أحيانا لأتفه الأسباب 

حدثني عن كل هذا !!!!!

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *