تأمّل على قمّة جبل

Views: 675

سامي زيادة

مجيئي الى الحياة ليس بإرادتي، ورحيلي عن الحياة أيضاً ليس بإرادتي…

 هذا الوجود الضيّق هو فضائي الأوحد، فلأحلّق جيّداً ما دمتُ أملك جناحين قويّين…

البارحة كنت مستغرقاً في تأمّل عميق على قمّة جبل، فوق رأسي قرص الشمس متوهّجاً في سماء صافية زرقاء، وعلى مقربة منّي وكر نمل أفراده في حركة دؤوبة لا تستكين…

 لا الشمس شعرت بوجودي ولا وكر النمل…

 لعلّني كنت كبيراً جدّاً فلم يبصرني النمل، ولعلّني كنت صغيراً جدّاً فلم تبصرني الشمس… كان من السهل عليّ أن أحجب نور الشمس، أو أن أسحق وكر النمل، إلاّ أنّني لم أفعل، بل تركت الحياة في استمراريّة ورتابة حيث راحت تزداد صفاء عبر جسدي المغسول بالأشعة، كما عبر فكري المنجذب الى الكائنات الضعيفة…

إنّ ما كان يعذّبني ويفرحني في وقت واحد هو أنّني كنت مدركاً ذاتي القائمة بين الشمس والنمل، مدركاً أنّنا حضور واحد منقسم الى ثلاثة أجزاء، وكلّ جزء يتبع مساراً مغايراً في قلب الحياة…

 أمّا الشمس فلا تدرك ذاتها، والنمل كذلك، إذ كلاهما في الغفلة والتماثل والتكرار…

 ترى هل عليّ أن أحسد الشمس والنمل على تلك الطمأنينة الهشّة، أم أن أخرج من دائرة التأمّل فأصير الى غيبوبة الفكر ويباس القلب؟! في النتيجة أنا وحدي، لا الشمس والنمل، الذي يحوك التساؤلات ويبتدع الأجوبة، كما أنا وحدي الذي يرى في مرآة الوجود ذاته المغايرة…

إذن من الحكمة أن أعيش هذه الحريّة الصغيرة في تعقّل وسلام…

 لن أخذل بلايين البشر الذين أتوا الحياة في عبور خاطف بالكاد يعادل ثانية واحدة من عمر الكون، بل سأقول، ولو في خداع مستتر، ما يجب أن يُقال: كم هي بشعة ورتيبة الحياة في عالم الشمس والنمل، وكم هي جميلة وممتعة الحياة في عالم الإنسان…

 لا تزال أمامي في هذا الفضاء الضيّق مسافات شاسعة ومجاهل غامضة، فلأحلّق جيّداً ما دمتُ أملك جناحين قويّين…

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *