وليد عوض … واكبني في التدرج وواكبته في مجلس النقابة

Views: 602

حبيب شلوق

الصحافي وليد عوض غاب بعدما طوى حياة مليئة بالجد والجهد والعطاء.

صحافي متشبّع من مزايا طرابلس التي أنجبته، ومن رعيل صحافيين برعوا في مهنة سُميت رسالة ـــ سقى الله أيام زمان ـــ  على رغم أنها كانت ولا تزال مهيضة الجناح تعفو عمن أساء إليها وتغفو على صدر مضطهديها.

كل الصحافيين قاسوا خلال الحرب في لبنان، وبعضهم دفع حياته ثمن كلماته، وبعضهم الآخر حرق أعصابه واهتز أمنه ، وأصيب في مورد رزقه، أو سُلب حريته.

وليد عوض كان ممن قاسوا. فهو الرجل الدمس الأخلاق، الهادئ، الرصين، المتزن، البارع في نسج علاقات مع جميع القيادات والأطياف اللبنانية، المرشح النقابي الذي ـــ كما صديقه وزميله النقيب محمد بعلبكي ـــ ليس في حاجة إلى القيام بحملة انتخابية كل مرة أراد الترشح فيها لانتخابات نقابية، فالرجل موضع إحترام و”إبن مهنة”، وسنديانة من سنديانات العصر الذهبي للصحافة اللبنانية أم الصحافة العربية والمهجرية.

وليد عوض قاسى كما أترابه من الصحافيين الذين قاوموا في سبيل الحؤول دون وأد الصحافة، وناضل كما رفاقه ومن هم من رعيله في سبيل تأمين رواتب المحررين والمراسلين والمصورين والموظفين، كما نضاله في سبيل تأمين احتياجات المطابع من ورق وحبر خصوصاً في ظروف أقفل فيها المرفأ والمطار أو بات الوصول إليهما محفوفاً بالخطر.

وليد عوض تألّم عندما تلقى  خبر اغتيال رفيق دربه ورفيق طفولته وابن فيحائه الشهيد سليم اللوزي، كذلك تألم عندما بيعت مجلة “الحوادث” التي انطلق منها لتعذر استمرار صدورها بعد اغتيال صاحبها. تألم لمحاولة وأد الصحافة وهي في عز حياتها.

معرفتي بالصحافي وليد عوض ترجع إلى عام 1973 عندما انهيت دروسي الثانوية وشئت أن أمارس مهنة الصحافة، بعدما راسلت متطوعاً جريدتَي “الجمهورية” في أيام صاحبها الصحافي هنري سجيع الأسمر، و”صدى لبنان” في أيام صاحبها النقيب محمد بعلبكي والجريدتان كانتا تصدران ظهراً، كما “لسان الحال” لمالكها جبران حايك. وكنت في تلك الفترة أنقل متطوعاً  أخبار الحركة الطلابية التي كانت مزدهرة في عهد الرئيس سليمان فرنجية.

بدأتُ مسيرةَ شغفٍ، بل وقعت في غرام قاتل بأجمل الجميلات واسمها الصحافة.

ولأن لا يحصل إلا ما هو مكتوب، تمكنت من تأمين موعد لي مع رئيس تحرير مجلة “الحوادث” نبيل خوري.

وفي اليوم التالي كنت في الموعد المحدد أمام “الحوادث” في الشياح خلف كنيسة مار جرجس وسرية الدرك، وما أن هممت بدخول المصعد حتى بادرني شابان بدا مسدسان على خصريهما “أن الأستاذ وصل”، وانتظراه يمسكان باب المصعد، وإذا بالإستاذ يصل ويعرّف عن نفسه بكل تواضع:” أنا سليم اللوزي”.

صعدنا وسألني عن  أسباب الزيارة فأخبرته، ولما أخذ الحديث بعض الوقت وقف صاحب “الحوادث” ليتابع الإصغاء، ثم رافقته خطوات لنصل إلى مكتب ويقول لي: “هيدا أستاذ نبيل خوري رئيس التحرير” وأوصاه بالإهتمام بي.

بدوره أستاذ نبيل خوري أحالني على سكرتير التحرير الأستاذ وليد عوض وطلب منه الإهتمام بي… وبدأت التدرج، وكان أستاذ وليد مثال الصحافي الهادئ المتمكّن.

ثلاثة أشهر أمضيتها في “الحوادث” كنت خلالها أتولى تغطية أخبار متفرقة بتوجيه من الأستاذ وليد عوض وأذكر أن الموضوع الأول الذي كتبته ونال استحساناً كان تحقيقاً عن جريمة قتل في برج حمود ذهب ضحيتها أربعة قتلى.

وكنت خلال إجتماعات التحرير التي يترأسها سليم اللوزي أحظى بالمشاركة فيها واستمتع بأسلوبه القصصي في كتابة التحقيق أو المقال ، وهذا أسلوب طبع “حوادثه”، وبصلابة نبيل خوري “الشببلكي” وبهدوء وليد عوض الواضح.

وتمر الأيام وأسمع عام 1980 أي بعد سنتين على بداية عملي الصحافي في جريدة “البيرق” بمن عبّد  أمامي طريق التدرج الصحافي وقد اغتيل لأسباب سياسية وبطريقة حاقدة لا يمكن تصورها، وبعد فترة توقفت “الحوادث” عن الصدور ثم بيعت إلى دار “ألف ليلة وليلة” التي أصدرتها سنوات، بينما أصدر نبيل خوري مجلة “المستقبل” التي بيعت لاحقاٌ إلى آل الحريري، ووليد عوض مجلة “الأفكار”. وبمعنى آخر رفض الإثنان إعدام الصحافة الحرة.

لقد كان اغتيال سليم اللوزي رسالة واضحة إلى الصحافة فأربكها ، ووجد رفيقه نبيل خوري نفسه مضطراً إلى إصدار “المستقبل” من باريس، ورفيق دربه وليد عوض يأخذ فترة تفكير طالت بعض الشيء قبل أن يصدر “الأفكار” ويحاول قدر المستطاع أن يمشي فيها بين النقط وفي حقل  ألغام، وقد تمكن من خلق شخصية مميزة لها حافظت خلالها على حد معين من الإستقلال.

أما علاقتي بمَن تدرجت في اشرافه على الصحافة قبل 46 عاماً،  فكانت علاقة احترام وتقدير كبيرين ترجمتهما بلقاءات عدة معه وبمرافقته بناء على تمنـّيه في زيارات سياسية معينة ، إضافة إلى التصويت له ثلاث  مرات لعضوية مجلس النقابة ممثلاً لصحف يملكها النقيب ملحم كرم أو تدور في فلكه، ومرات عندما توليت منصب المدير المسؤول لمجلة “النهار العربي والدولي” ، ثم “الإتحاد اللبناني” الصادر في اليوم السابع عن “النهار”، ثم “النهار”.  

رحم الله وليد عوض الصحافي الرصين والهادئ وأحد زارعي الأمل الإعلامي.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *