طوبى للذين لا يقرأون الكتب!

Views: 544

شربل شربل

قرأت، صباح اليوم، في العدد الرابع من جريدة “نداء الوطن”، مقالة بعنوان” وودي آلان مخرج أوبرالي في لا سكالا العريقة”، انتهت بالقول: وأفادت نيويورك تايمز بأنّ مشروع وودي آلان لإصدار مذكّرات متعثّر بسبب رفض كلّ دور النشر التعاون معه.

شعرت بأسف شديد لأنّ وودي آلان (المولود في العام ١٩٣٥) شخصيّة فنّيّة عريقة، وحياته حافلة بتجارب كبيرة متنوّعة، كتابةً وإخراجًا وتمثيلًا وزواجًا وعلاقات…ومذكّراته، في حال صدورها، ستكون تعبيرًا عن تجاربه واستنتاجاته، ولن تخلو من الفائدة والمتعة.

أمّا سبب امتناع دور النشر عن التعاون معه فيعود، بالدرجة الأولى، إلى كونه متّهمًا بالتحرّش الجنسيّ؛ علمًا بأنّه خضع للتحقيق ولم يصدر بحقّه أيّ اتّهام قضائيّ، ولم يحاكم.

لست في مجال الدفاع عن “مرتكب”، ولكنّني في الوقت نفسه، لست مع إدانة  “بريء”لا سبب لإدانته سوى ادّعاء ابنة زوجته عليه بالتحرّش بها عندما كانت في السابعة من عمرها.

تشير الدراسات إلى أنّ بعض حالات الادّعاءات بالتحرّش غير الصحيحة قد تكون ناجمة عن اضطرابات نفسيّة لدى المدّعين، أو عن توهَم، أوعن سوء تفسير للتصرّفات…وما شابه ذلك. كما هنالك ادّعاءات كثيرة يصعب إثباتها بسبب عدم وجود أدلّة وشهود.

فقضيّة وودي آلان إذًا، هي قضيّة إدانة الرأي العامّ له وهو بريء في نظر القانون يستفيد من قرينة البراءة، على قاعدة ” كلّ متّهم بريء إلى أن تثبت إدانته”.

وودي آلن

 

ولكن، ماذا نفعل بالرأي العامّ، و”سلطته” تعلو السلطات القضائيّة في واقع الكثير من المجتمعات؟

تحضرني في هذا السياق مقولة سعيد تقيّ الدين الشهيرة ” الرأي العامّ بغل كبير”. وهذا البغل دفع بدور النشر إلى رفض التعاون مع وودي آلان في نشر مذكّراته، التي قد يستخدمها لتلميع صورته وتبرئة نفسه ممّا اتّهم به، وكي لا تتّهم هذه الدور بالترويج لمتحرّش جنسيّ.

وبالعودة إلى سعيد تقيّ الدين أنقل قوله: “إذا أردت أن تقتل شخصًا، فلا تطلق عليه رصاصة بل أطلق عليه إشاعة” فالقتل المعنويّ يوازي القتل الجسديّ وقد يكون أشدّ وقعًا.

على أنّ قاعدة تقيّ الدين ليست مطلقة، فعندنا تنشر الأخبار عن الارتكابات والسمسرات والصفقات ونرى بأمّ العين الإثراء غير المشروع، ولا أحد يحاسب، والعيون البلقاء تتزايد عددًا وتستهتر بِ” البغل” أّيّما استهتار. 

من أقوال وودي آلان اللافتة” لا تبرّر رغبتك لأحد، ولا تحاول أن تصحّح فكرتهم عنك، لأن لا أحد مرّ بتفاصيل قصّتك”

” لا أخشى الموت، ولكنّني لا أريد أن أكون في استقباله عندما يأتي”

وأخيرًا قوله الساخر” توقّفت عن زيارة طبيبي النفسيّ عندما تأكّد لي أنّه شفي تمامًا”. 

لو التزمت دور النشر بمعايير أخلاقيّة واضحة لامتنعت عن نشر الكثير من الكتب الصفراء التي تملأ رفوف المكتبات وتسهم في رفع ثمن الورق.

طوبى للذين لا يقرأون الكتب فإنّهم لن يتأسّفوا على عدم صدور مذكّرات رجل مثل وودي آلان! 

(فيطرون في ٤تمّوز ٢٠١٩)

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *