أسماء الشرقي  في “شفاه الريح”… نزيف من حبّ لا ينتهي

Views: 21

ميشلين مبارك

تتمازج روح الشاعرة التونسيّة أسماء الشرقي مع رسمها في لوحة غلاف ديوانها “شفاه الريح” عبر تزواج جميل بين الاسود والاحمر، كأن هذه الروح تتصارع بين الحزن والفرح، بين الالم والسعادة لتنتصر فيها الحياة.

“بمنتهى الفرح نعيش كذبة الحزن”، دعوة أسماء في مقدمة الديوان لدليل على اصرارها على التفاؤل رغم الالم، على الحب رغم الفراق والموت.

في الاسلوب، من النادر ان يطلع القارىء على ديوان يضم الشعر العمودي والتفعيلة والنثر في ثلاث لغات: العربية، الفرنسية والانكليزية، في انسجام سلس وانسياب ممتع بين رياح القصائد جميعها.

أما في المضمون، فتغوص أسماء في القضايا الوجودية، في مآسي الحياة، في حياتنا المنعتقة في هذا الكون الزائل، في الروح المسافرة الى اعماق أسمى ورحاب أصفى، لتكسر الجوع الممدّد في الشهقات التائهة.

وقد حاولت في كل ذلك، أن تبحث عن شبيه لها كمناداتها في قصيدة وحي الحبر:

“يا شبيهي في الغياب

يا خميلي في ارتدادات السّحاب

يا رسول التمتمات

كلّ ألواني ابتهاج

مذ بدا سحر المقام…”

ولعلّ “سفر الروح” أعاد شاعرتنا طفلة حزينة تنتظر أسرار القطار، تسأل شفاه الريح عن الذين غرقوا في البحر:

“فها قد أزهرت أسماؤهم على شفاه الريح

تتآكل ملامحهم عند الهبوب الاول للفجيعة

في المراسم تعلّق أصواتهم

مزامير ورقية

تشدّ اليها وعوداً نافعة

كرائحة المرافىء

كزوابع مطر صيفية…”

وفي مكان آخر، تدعونا الى وليمة الاحلام لنشرب في قصائدها نخب الحب، لنعزف مع زهرات الاركيد خجل البوح، لنضيء شهد العشق شموعا نورانية. فهي لا تؤمن بتعاويذ الفناء على الرغم من رماد البعد في برد الحنين، ذلك لان الحبيب او الاله او مولاها ساكن روحها:

“سماواتي،

أراضيّ..

أنجمي..

فتات الضحكات

كّلها أهديها قربانا للحظاتك الآنسة

لسرب الحمام المسبح باسمك

في هزيع ليلي الاخير…”

كما الروح كذلك القلب عند أسماء، القلب الذي يسكن في رغيف الجائعين، في ارض قرطاج المعذبة، في اسرار ليل الراحلين، في صدى الصمت المضرج بالحنين، في حضور أمها ودمع أبيها.

من الملفت، كيف حملت “أسماء الشرقي” باسمها إرثاً جمعت فيه هموم الشرق وألوانه إذ بها تذوب ريشتها مع حرفها بهذيان سلفادور دالي، وأغاني “لوركا” الموشحة بحدائق غرناطة، فكانت الرسامة والشاعرة والناقدة والناشطة الثقافية، كل تلك الاسماء حملتها بشموخ في “شفاه الريح” فصارت نزيفا من الحبّ لا ينتهي.

(Ambien/)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *