إنقاذ لبنان من نفسه

Views: 103

د. قصي الحسين

(أستاذ في الجامعة اللبنانية)

 

 منذ العام1920، ولبنان غارق في أزماته. تتوالى عليه الأزمات، واحدة بعد أخرى، بلا انقطاع. وعلى مدار السنوات. وعلى مدار الحقبات. وعلى مدار العقود.

 لبنان يعيش أزمات شعوبه بصورة يومية. ليس هناك بلد في العالم، يستيقظ كل يوم، مع أصوات الديكة، على أصوات ديكة شعوبه. تسجل في المذياع. ويعاد تكرارها على الأسماع طيلة النهار، حتى تنتقش في الصدور  وحتى لا يستطيع الأبناء الهروب من سماعها، ولو كرهوا. ولو ملوا السماع.

كل صباح يعرض “الديكة” في لبنان، هواجسهم، على لوائح طوائفه التي لا تعد ولا تحصى. يعرضون مشاكلهم اليومية بألوان طائفية. وتأخذ الديكة منهم حيزها، في الساحات. تتزين بالسلاح. لأن “السلاح زينة الرجال”. وينسون أطفالهم وعيالهم. وينسون حاجاتهم اليومية.

 يقتتلون من الصباح حتى المساء، على لون السماء. وعلى مذاق الهواء والماء. وعلى عدد النجوم. وعلى بزوغ الهلال. وعلى موعد غياب الشمس، لا في شهر رمضان وحسب، وإنما في كل الشهور والأيام.

الشعوب اللبنانية، غرقى مشاكلها اليومية. تراها تغوص في تاريخها الديني. وفي تاريخها العرقي. وفي تاريخها الثقافي. وفي تاريخها الحضاري.  تحصي أيامها بدقة. تحصي وقعاتها. تحصي بطولاتها. تحصي أبطالها. وتنسى نفسها في العباب، حتى لتسحبها التيارات قتيلة هواجسها. ترميها جثة هامدة بلا روح على شطآن الحياة.

الشعوب اللبنانية، غرقى جميع المستنقعات في الإقليم. يغوصون فيها. يخوضون في وحولها. يبحثون، ولو  عن “القشة التي تقصم ظهورهم”. ولا يعودون عن عنادهم، إلا وهم يلفظون آخر الأنفاس. إلا وقد قصم منهم “الضغث” الظهور.

اللبنانيون يتنسمون رياح الأرض كلها. يلاعبون كل ريح. تراهم يتعصبون لهذه الريح أو تلك. ويشرعون لها الأبواب. لا يأنفون من الزكام الذي يصيبهم. لا يأنفون من كل نتن يأتي مع الريح. يصفقون لها من بعيد، ولو تكسرت عليهم الأبواب. ولو تخلعت نوافذهم. وتخلعت معها القلوب.

اللبنانيون يستدعون كل رياح الأرض، إلى دورهم. يسعون إلى جميع النيران. يحملونها إلى بيوتهم. ولو أكلت هاتيك النيران، كل هاتيك البيوت. يطبلون ويزمرون، لكل وقعة تقع. يهبون إليها. ينغمسون في أوارها. يحملهم الطيش على جناحه، ويرميهم غرقى في القيعان المنتنة.

 الشعوب اللبنانية، بعد مئة عام، هي هي. غرقى كل طوف. غرقى كل لجة. غرقى كل قيعان الأرض. كلما جاءت منهم أمة، لعنت أختها. فمن ينقذ اللبنانيين من أنفسهم. بل من ينقذ لبنان من نفسه، بعد تجربة مئة عام.!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *