مربـّى أم عسل؟

Views: 37

محمد إقبال حرب 

صناعة المربّيات سهلة وأكيدة النتيجة مع اختلاف بالنكهة والجودة. فصناعة مربـّى البرتقال ستعطيك مربـّى البرتقال بالتأكيد، كما مربـّى التين والفريز وغيره. فصانع مربي التفّاح لا يحتاج إلا للتفّاح كمادة أساسية مع بعض المطيبات. (https://andeglobal.org/) لذلك تجد صناعة المربّيات رائجة في كل مكان، يدعيها أي كان.

أما صناعة العسل فتختلف اختلافاً جوهرياً. إنه عمل شاق تقوم به النحلة لأيام مع فريق كامل يقطعون خلالها أميالاً يعبثون، يتفحصون آلاف الورود لينهلوا رحيقاً بمقدار من كل زهرة بعد تمحيص. لذلك يخرج العسل مختلف الطعم والرائحة في كل مرة. ويُصنع ليبقى أطول زمن ممكن لا يتأثر بعوامل الطبيعة أو غزو الآفات. لذلك لا يدّعي صناعة العسل إلا النحل.

وهذا بالضبط الفارق بين “الكاتب المربـّى والكاتب العسل”

فالكاتب المربـّى يقرأ كتابا، يطّلع من خلاله على نظرية ما أو فكرة مستهلكة ليخرج إلى العالم بمقال نعرف فحواه قبل أن نقرأه. يتذوق رواية فيبادرك بكتابة رواية تدرك بأنه استوحاها أو سرقها، بل ربما استعارها إلى يوم الدين. والأكثر شيوعاً على صفحات الشبكة العنكبوتية هو أن الأدعياء يسرقون الفكرة الجديدة من شعر أو مقال فيسارعون إلى كتابة “انتاجهم المنحول أو المسروق” بسرعة البرق. بل يدعمونه بقراءة نقدية من صديق توهمك بأصالة المنتج.

أما الكاتب العسل فذاك الذي يقرأ بنهم لسنوات طوال مختزناً رحيق الكتب وأفكارها دون الحاجة به إلى تذكُّر التفاصيل لأنه التهم رحيق المعرفة وخزّنها في وعاء معرفته. ذاك الذي يمتص من كل كتاب رحيقه حتى يجمع قَطوفاً من الشهد تكون رافداً لفكرة جديدة أو رؤيا متألقة يصدّرها كتاباً أو مقالاً ينعش أفكارك بل يحيرك باتساع مداركه في كتاب أصيل كالشهد الأزلي.

ما دفعني لكتابة هذا النص هو هذا السيل من الأدعياء، صناع المربـّى ذات الجودة المتدنية. فأرفف المكتبات وعتبات التواصل الاجتماعي عامرة بالمربّيات الأدبية الرديئة، المسروقة حديثاً والمنتهية الصلاحية. نادراً ما أحظي بقرص شهد يتمخض عنه كتاب فيبعث في حبي للقراءة حياة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *