أعمالكم تدلّ عليكم

Views: 517

د.  جميل الدويهي

عندما يعرض إنسانٌ إبداعه أمام الآخرين، فإنّه يمجّد عمل الله فيه، ولا يتقصّد الإيذاء والضرر… فاللصوص، والكذبة، وشاهدو الزور، والزناة، ونابشو القبور لا ينشرون بضاعتهم في عين الشمس، بل يحجبون أفعالهم لكي يشعروا بالأمان، أما صانع الجواهر، والرسّام، والشاعر، والنحّات، والخيّاط فإنّهم يعرضون أعمالهم بفرح، ولا يخافون من العقاب، بل ينتظرون من الناس أن يغتبطوا بأعمالهم ومآثرهم.

وما الفرق بين السارق والفنّان؟ الأوّل خازن أسراره، فلو كشف عنها وصرّح بما يفعله في الليل، حين يكون أهل المدينة نياماً، والحرّاسُ غافلين، فإنّ رجال الشرطة سيعرفون مكانه، ويذهبون إليه لاعتقاله وزجّه في السجن، أمّا الفنّان الذي يبرع في مجال معرفته، فلا يرتكب معصية ولا إثماً، ورجال الشرطة ليسوا مكلّفين بإلقاء القبض عليه ومعاقبته.

فلا تخافوا أن تقولوا: أعمالنا تدلّ علينا، ولا تصغوا لمن يحسدونكم ويحقدون عليكم، فهؤلاء لو استطاعوا، لأقفلوا أبوابكم بالطين، وسدّوا نوافذكم لكي لا تدخل الشمس إلى منازلكم، وعطّلوا حواسكم، وسرقوا محاصيلكم في وضح النهار.

أما رأيتم كيف أن الفاشل يعيّر الناجح ويذمّه؟ وكيف أنّ البشع يعيب الجمال الذي في غيره؟ وكيف أنّ الشتّام واللئيم والبخيل يذمّون مَن لا يشبههم في رداءتهم وانحطاطهم؟

كان رجل يتباهى في قومه بأنّه الأفهم والأعظم، ويلقّب نفسه بألقاب التمجيد، حتّى رأى مَن هم أكثر منه فهماً، وأعظم منه قدراً، فراح يشهّر بهم ويتحدّث عن غرورهم واعتزازهم بما يفعلونه، ولو كان صادقاً، لكان اعترف بأنّهم يحلّقون عالياً حيث لا يستطيع أن يطير، لكنّ الكاذب يفضح نفسه بنفسه.

لا تصغوا إلى المزوّرين، الذين إذا أضأتم مصباحاً اجتهدوا لكي يطفئوه، وإذا صدحت أصواتكم بالغناء الجميل قالوا عنكم إنكم تشبهون الغربان والضفادع، فإنّ الخشية منكم هي التي تتحدّث على ألسنة هؤلاء… فإيّاكم أن ترضخوا للأكاذيب، أو تصغوا لمن يحرّفون الحقيقة، وكلّ همّهم أن تبطئوا في خطاكم، ليستطيعوا اللحاق بكم والانتصار عليكم.

كان فيلسوف كبير يسير عند الميناء، فانتبه الناس إلى أنّ سرواله له ساق أطول من الساق الأخرى. ولمّا سألوه عن ذلك أجاب: إنّ كثيرين يشدّون بسروالي لكي أنزل إليهم، ولكنْ شتّان بين الجوهر والقشور، وبين العندليب الذي يصدح على جبل، والبومة التي تنعب في قعر واد.

****

(*) من الكتاب الفكري الرابع “هكذا حدّثتني الروح”،  يصدر قريباً من مشروع أفكار اغترابية.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *