“أناشيد حياة” سيرة ذاتية للاب يوسف مونّس مكتوبة بحبر من محبة

Views: 975

ميشلين مبارك

تقول مبدعة من بلادي ميّ زيادة: «الكلمة التي لا تموت تختبئ في قلوبنا، وكلّما حاولنا أن نلفظها تبدّلت أصواتنا كأنّ الهواء لم يتمّ استعداده لتلقّي نبراتها…» فشكرا لك أبونا مونّس لانك قلت كلمتك في أناشيد حياة طُبعت بالحب والصدق، نثرت كلمتك في وقتها المناسب فنفخ الهواء فينا عبرا.

من عائلة مؤلفة من تسعة أولاد إضافة الى الأب والأم، ولد طانوس (اسمه الأصلي) من مسرح طفولة تقية، في قرية الامارة اللمعية، ولد متأثرا بالعيش المشترك بين الموارنة والدروز بجوار كنيسة مار إلياس، والقديسة تقلا والسيدة المنمشة الوجه في الشبانية. ولا يزال يذكر وجه جدّه المونسنيور يوسف مونّس يقرأ عليه بهدوء وحنان قصص الكتاب المقدس، والطفل يبكي من شدّة التأثر.

أناشيد تنقل القارئ الى رحاب الرهبانية اللبنانية المارونية، والتحصيل العلمي ولا سيما شهادة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة ستراسبورغ – ألمانيا، والتأثيرات الفكرية والفلسفية بما فيها حوار الحضارات وتأثره بفلسفة «المعية» أي «أن تكون» لا تعني أن تكون منفرداً معزولاً لا معنى لك، بل «أن تكون» تعني أن تنوجد مع آخر وليس مع ذاتك غارقاً في «الأنا» التي لا تأخذ معناها إلاّ «في وجودك». فنقرأ في الصفحة 84: حيث كتب أبونا مونّس: «الآخر هو أخي الحامل وجه المسيح الجائع والعطشان والعريان والمهجر والغريب والمشرّد… فأنا حنين دائم للقاء الآخر الذي يعطي لوجودي معنى، جرحي لا شفاء له إلاّ بوجود الآخر، النهر لا وجود له إلاّ بضفتيه، وأنا هكذا ضفتي الأخرى هي أنتَ». وكم جميل أيها القارئ ان يعطي الآخر معنى لوجودك خاصة في عالمنا اليوم الذي تزيده وسائل التواصل الاجتماعي انعزالية وأنانية.

من الملفت ما تضمنته تلك الفترة وبعدها من علاقات وصداقات ربطت أبونا مونّس مع سياسيين ورجال فكر في لبنان لا سيما خلال فترة عصيبة كان يمرّ بها الوطن. ومنها على سبيل المثال الصداقة العميقة بين أبناء القرية الواحدة الشبانية، أعني بين الأب مونّس ورئيس جمهورية لبنان السابق إلياس سركيس، فيقول الأب مونّس: «ان الرئيس سركيس لم يكن مجرد رئيس لوطن، بل حمل في شخصيته، وطناً في رجل، هو الرئيس الذي ظلمته السياسة وأراحه الموت».

بعد العودة الى لبنان، تتالت مسؤوليات أبونا الدكتور في الرهبنة من إدارية وتربوية ولا سيما تعيينه رئيسا لجامعة الروح القدس في الكسليك، فعمل على الانتقال من النظام الأكاديمي السنوي الى نظام الوحدات، كما عمل على توسيع الجامعة ان من ناحية شراء العقارات المجاورة وأيضا إنشاء فروعا جديدة أو عبر زيادة الاختصاصات فيها.

في كل نشيد من أناشيد حياة أبونا مونّس، نسمع عزف أنغام السلام على الرغم من قرع طبول الحرب اللبنانية، فالسعي الدؤوب وراء الوفاق والمصالحة وتقريب وجهات النظر بين جميع الأفرقاء كان همّه الأول والأخير. إنها أناشيد عذاب وصبر، بهجة ودهشة يعبرها هذا الكاهن الجليل، في رحلة صمت وهدوء بين صحراء وحياة ممسكاً بمسبحته، مصغيا الى تراتيل روحية وإلهامات القديسين من شربل ورفقا والحرديني.

لا زلت أذكر ما قاله أبونا مونّس وما قرأته في ذكرى غياب الإمام موسى الصدر في العام 2003: «بعض الناس غيابهم حضور دائم وقوي وكأنه حضور، وبعض الناس حضورهم غياب» وأنا يا أبتي الجليل أقول لك ان كتاباتك هي الحضور الدائم في وجداننا، فاسكب علينا أفكارك النيّرة حتى تستلهم منها الأجيال شعلة تنير درب تجاربنا والتزامنا بهذا الوطن.

****

(*)  «أناشيد حياة» سيرة ذاتية للأب الدكتور يوسف مونّس، صادر عن دار سائر المشرق 2019.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *