أديب صعب… قصائد مختارة من “حيث ينبع الكلام”: “… وَيُطِلُّ القمَرُ الحاني على عُرسٍ، يَصيرُ الماءُ نُوراً ويَصيرُ النورُ ماءْ”

Views: 2035

 

كيف تَقْرَبُ الصلاة؟

 

كيفَ تَقْرَبُ الصَّلاةْ،

وقَلْبُكَ لا يَعرِفُ الشِّعرَ…

كيف تَقْربُ الصلاةْ؟

 

أَتُعَلِّمُ الكلامَ، قُلْتَ، ماذا؟

أَتَصومُ رَمَضانَ كُلَّهُ وكلَّ فِصْحٍ،

وتُقَدِّمُ النذورَ والثِّمارا؟

كَلامُكَ نبعٌ من العِلْمِ

لا يَنتهي، قُلْتَ؟

 

لكنّهُ كالصَّحارى

إذا كانَ قَلبُكَ لا يَصنَعُ الحُبَّ،

لا يَسمَعُ الشِّعرَ يَسْري

في دَمِ الكائناتْ.

 

وما الشِّعرُ إنْ لم يكن صلَواتٍ،

وما الصلَواتْ

غَيرُ شِعرٍ يَفيضُ من القلبِ،

يَرْسُمُ وَجهَ الحياةْ.

 

كان لي ربيع

 

للربيعِ وَجهٌ

يَعشَقُ البُكاءْ.

للخَريفِ وجهٌ،

بَعْضُهُ غِناءْ.

 

كان لي ربيعٌ

مَرَّ وٱستَراحْ

عندَ بابِ قلبي

مَرَّةً، وراحْ.

وٱنطَلقْتُ… عَنْهُ

أَسأَلُ الشجَرْ،

أَسأَلُ الروابي

عَنْهُ والقَمَرْ

 

وكَتَبْتُ شِعراً

بِدَمِ السماءْ:

للربيعِ وَجهٌ

يَعشَقُ البُكاءْ.

 

في البراري

 

في البراري،

حَيثُ لا أبوابَ،

تَغْدو الشمسُ بَوّاباً يُغَنّي

نافِخاً عِبْرَ مزاميرِ الهواءْ.

وتَجيءُ الطيرُ أسراباً

كما من فَلَواتٍ في السماءْ.

 

ثُمَّ يأتي حارِسُ الليلِ

وقد فاحتْ مِنَ الأرضِ الطُّيوبُ.

وهُتافٌ يَملأُ الأصقاعَ:

هذا ٱبْني الحَبيبُ.

 

ويُطِلُّ القمَرُ الحاني على عُرْسٍ،

يَصيرُ الماءُ نوراً،

ويَصيرُ النورُ ماءْ.

 

إنّهُ عُرْسُ الأماسِيِّ،

ولا يَقْرَبُهُ

من بيوتِ الناسِ إلّا ٱلوُدَعاءْ.

 

ثُمّ تَغفو الأرضُ،

والليلُ غِطاءٌ،

ويَنامُ الليلُ من غَيرِ غِطاءْ،

مانِحاً أحلامَهُ للشُّعَراءْ.

مُحال

 

مَرُّكِ في البالْ

هَمْسٌ وسؤالْ،

يا أرضاً لم تُبدِعْ أَبْدَعَ منها الآمالْ.

لكنَّ النطْقَ مُحالٌ، مثلُ الصمتِ، مُحالْ.

ولَيالي الصبرِ طِوالٌ… والٌ… والْ…

 

لو هذا المُزْنْ

يَسْقيهِ الحُزْنْ.

لو كانت أطرافُ الدنيا أَوسَعَ من سِجْنْ.

لكنَّ الحزْنَ مُحالٌ، مثلُ المزْنِ، مُحالْ.

ولَيالي الصبرِ طِوالٌ…

والٌ… والْ…

 

اَلعالَمُ سِرّْ

تحتَ يَدِ الدَّهْرْ.

والحُلْمُ فَضاءٌ،

من زَمَنٍ لم يُمطِرْ شِعرْ.

لكنَّ الشِّعرَ مُحالٌ،

مثْلُ الحُلْمِ،

مُحالْ.

ولَيالي الصبرِ طِوالٌ…

                        والٌ…

                                والْ…

 

أَعجنُ العتمَ بالدمع

 

قَرأتُ على الشمسِ أنَّ ٱغترابي طويلٌ،

قَرأتُ على وَرَقاتِ الشجَرْ،

وأنَّ المسافةَ بيني وبينَكِ

أطْوَلُ من خُطُواتِ الضُّحى

في ليالي المطَرْ.

 

غَريبٌ،

وهذي المَتاهَةُ لا تَنْتهي،

وأنا نُقْطةٌ

في بِحارِ الرُّكامْ.

إذا ٱرتَعْتُ أَسلَمْتُ للمَوجِ نفسي،

وإنْ جُعْتُ أَقتاتُ خُبْزَ الظلامْ،

أَعجُنُ العَتمَ بالدمعِ،

أَقتاتُ خبزَ الظلامْ.

 

غَريبٌ،

وهذي المَتاهةُ تَمتدُّ،

تَسلُبُ حتّى الرؤى والكلامْ.

 

كانَ لي قِطعةٌ مِن سَماءْ،

رَسَمْتُ لها نَبْضَ قلبي حُدوداً

وشِعري خَريطهْ،

كَي، كما يُولَدُ الشِّعرُ، تُولَدَ،

تَبْقى كما الشِّعرُ يَبقى، يَمُدُّ خُطوطَهْ

في المَسافاتِ،

يَجعلُ مِن كلِّ عَتْمٍ ضياءْ.

 

أيُّ أرضٍ!

نُفِيَ الحُبُّ والشِّعرُ منها،

أُحيلتْ قُبوراً لأطفالِها الطاهرينْ.

يا شَقِيَّةُ، وَيْحَكِ، وَيْحَ صِباكِ،

أَما تَعْرِفينْ؟

إذا قُتِلَ الشِّعرُ ماتَ الربيعُ،

إذا قُهِرَ الحُبُّ ذُلَّ الجميعُ.

 

على جَبَلِ الشعَراءِ وَقَفْتُ

أُناديكِ… هل تَسْمَعينْ؟

أنا جَبَلٌ من حَنينٍ إليكِ،

وجيلٌ مِنَ الشاهِدينْ.

 

في سكينة المساء

 

كان يَنْشُرُ المساءُ

ظِلَّهُ على الدروبْ.

وأَمامَ عَرشِكَ الرهيبِ شَمعتانْ،

أم هما يَدانْ

تُرْفَعانِ كذَبيحةٍ معَ الغُروبْ.

 

والهواءُ غابةٌ تَعِجُّ بالطيوبْ،

تَتعانَقُ الجبالُ والسماءُ فيها

والمياهُ والترابُ والزهَرْ،

عَرَفَتْ غُروبَها فرَكعَتْ تُصلّي،

ومَشى على دُروبها القمرْ.

 

اِفْتَحي ذِراعَكِ القويّةَ، ٱحضُنيني

أيُّها الجبالُ،

وٱنثُري البَخُورَ فَوقَ ناري.

في سَكينة المساءِ

سَكَني وداري.

ذاكَ عالَمٌ أعارَني سَلاماً،

فأَعَرتُهُ سِنيني.

 

اِفْتَحي ذِراعَكِ القويّةَ، ٱحضُنيني

حينَ يَنشُر المساءُ ظلَّهُ على الدروبْ.

وٱرفَعي يَدَيَّ، وٱرفَعيني

شمعةً معَ الغُروبْ.

 

سماءٌ تَخون

 

يُشْبِهُ الملَكوتْ

نائماً حَمَلَهُ الملاكُ ذاتَ لَيلٍ،

فرأَى غابةً من البَهاءِ… ماذا؟

لَفَّهُ النورُ…

أَينَ؟ كَيفَ؟

ضاعَتِ العِبارهْ.

خانَهُ صَوتُهُ،

فحاولَ الإشارهْ.

ثُمَّ صاحَ،

صاحِياً على سُكونْ.

وبكى سَماءَهُ الّتي تَخونْ.

رداء النهار

 

كَلِماتُكَ الّتي تَجيءُ من قِفارِ،

حيثُ وَحْدَهُ الحَجَرْ

سَيِّدُ البراري،

تَنْشُرُ الربيعَ فوقَ أُفُقِ المدينهْ،

حيثُ وَحدَه الضجَرْ

مَلِكٌ،

وحَولَهُ مُلوكُ أرضِنا جَواري.

كَلِماتُكَ الّتي تَهُبُّ من قِفارِ

سَكَنَتْ عُيونَنا الحزينهْ،

خَلَعَتْ رِداءَها على النهارِ.

اُتركي الجميع وٱتبَعيني

 

اُتْرُكي الشتاءَ والربيعَ، وٱتبَعيني،

اُتْرُكي الجميعَ،

وٱتبَعيني

دونَ مَوعدٍ ودونَ وَقْتِ.

وخُذي يدي،

خُذي غدي،

خُذيني

بَعْدَ ذاك حيثُ شئتِ.

 

المستحيل

 

نَتَمنَّى لِدَرْبِنا أنْ يَطُولا:

رحلةُ الحُبِّ لا تُطيقُ وُصولا.

أَعْذَبُ العمرِ ما يُعاشُ سؤالاً،

لا جَواباً… بل يَمْقُتُ التحليلا.

قد يُرى الحُبُّ مُستَحيلاً. ولكنْ

ليس حُبّاً ما لم يكنْ مستحيلا.

وَهِمَ المُدَّعونَ… لا، ليس وَهْماً

أنْ تكونَ الحياةُ وَهْماً جَميلا.

Comments: 1

Your email address will not be published. Required fields are marked with *