“واو الدهشة” لجهينة عوام خيوط  مسلولة من القلب

Views: 572

ضحى الخطيب

إن العمل الممزوج بالحب هو أن تنسج الثوب بخيوط مسلولة من قلبك كما لو كان هذا الثوب سيرتديه من تحب العمل الممزوج بالحب هو أن تنفح كل ما تصنعه يداك بنسمة من روحك [….]

مقاربات فكرية تاريخية وجدانية،وكأن الروائية نسجتها بنسمة من روحها ….ترحل وتأخذك معها إلى عالم مدهش زاخر بلوحات…ملونة بألوان المشاعر…ممهورة بأبجدية الحروف. كم هو رائع امتلاك ناصية الحروف لرسم تلك اللوحات من المعاني وكأن لحضور جبران في هذا العمل ألقه وامتداداته وتأثيره على المناخات الروحية والوجدانية والإنسانية والفلسفية التي حفل بها هذا العمل الروائي.

بين الماضي والحاضر تتأرجح الأحداث….ووسيلة التنقل والإبحار صحافية سورية “…وأي حكايات سأدونها أنا (سلمى سعيد) السورية الجنسية…. أنا إمرأة مهجّرة من الحب نازحة إلى السؤال..[…]لا توصيف دقيق لحالتها:إمرأة مطلّقة،مهملة،متروكة..”دعوني أسهل الأمر عليكم…أنا صحافية عمري 36عاماً،مبعثرة،أحاول الخلاص من صور زوج هارب منها أو من الحرب[…]،وربما وجدت في هذا البحث الذي طلب منا إعداده حول سيرة(رجا العارف) الذاتية مايشغلها عن اجترار حكايتها من الذاكرة.

هو.رسام..نحات.مغمور،ابن قرية(ديرالعواصف)اللبنانية،والذي ماعرفه أهلهاإلاّبإسم”جبران خليل جبران” ….” ماإلك إلاّ جبران…لاتواخذينيا هون بالضيعة كلنا متعودين نندهلو جبران من لما كان صغير[…].

اندفعت سلمى بحماس شديد،يجرها من شرايينها لقراءة التاريخ من خلال سيرة هذا الإنسان..قراءة معتقة بلا حبر ولامطابع ووجهتها إلى ذلك،قراءة تاريخ قرية (دير العواصف) التي كانت واقعة تحت الإنتداب الفرنسي والتي حفظت ل “سعد القناص” ، والد “رجا العارف” عمله البطولي عند تسديده طلقات أردت الكولونيل الفرنسي قتيلاً.

وتبدأ الحكاية…رجلٌ جالس على كرسيٍّ هزّاز،قبالة نافذة مفتوحة على الأفق…وذاكرة مشرعة على ماضٍ تنضم إليه سلمى لتبحر معه.فيه،ولتعيش قبل أن تدون سيرة حياة فنان تناثرت إبداعاته على حواف طرقات الحياة،يرنو إليها عند كل منعطف يحضر فيه طيف جبران..ملهماً…معاتباً..مؤنساً…مُفَلْسِفَيْن من خلال وقفات تأملية،حياةً:القاسم المشترك بينهما فيها….وجعٌ ممضٌ وعذاباتُ نفسٍ أحاطتها الإحباطات واكتنفها الإهمال..بكل ماتحمله من إبداع…..”أتعرفين ياسلمى؟…المؤسف أن يسفك ريشك على مرايا الآخرين…وأن يكون الهباء ترجمان زواياك المضيئة…وأن يكون الدمع هو الأجدر برسم محياك[…]

حاولت سلمى تدوين سيرته،فجاءت من نسج نسمات روحها…وكأن وجع الغياب يستحضر روعة الحضور الإنساني،حيث شكّلا بمجمل اسشفافاتهما حضوراً واحداً،تماهياً فيه فكراً ووجداناً..

جلسة أولية جمعت بين سلمى ورجا العارف،وانتهت إلى استخلاصها الآتي:1- رجا يعاني الوحدة ،2_كنوزه التي يحتفظ بها في مايشبه المغارة المحفورة بالصخر في الجزء السفلي في منزله لاتشغل بال أحد سواه3_لم يكترث لأمر تماثيله إلاّ قلة من دير العواصف4_جبران ظلَّه الذي يرافقه في كلامه ومنه وطقوسه 5_رجا لم يتكلم كثيراً في حياته،…ولكنه لسبب ما لايريد وعلى لسانه حرف واحد لم ينطقه[…] ينزل كل يوم إلى مغارته في الطابق السفلي  لبيت متواضع يحاذي الشارع الرئيسي في القرية…يجلس وحيداً…”أجفف الورد مابين السطور…ألملم اللهاث المتصابي على شقوق بابي…تزحف تجاعيدي…تجرّني لألقي نظرة على المحذوف من كراكيب الروح[…]

وأشخاص شكلوا ملامح حياة رجا العارف:سعد قناص والده،فخرية والدته،وجبران خليل جبران ظلّ روحه…لم يرسم لوالده ولا حتى صورة،فقد ظلمه مرتين:مرة بموته،ومرة بحرمانه من المدرسة….فقد انطلق بعد وفاته والعمر يجدف به في بحر الحياة الصاخب الأمواج..صعوداً وهبوطاً…ولتبقى أمه فخرية ذاك المرفأ الذي يلتجئ إليه ملتمساً الأمان…تساعده كي يكون جبراناً وليسير على دروب الهجرة مغترباً غربتين:غربة الروح،وغربة الوطن.ويبقى أنيسه فيهما جبران…كان لقاءهما الأول عندما سرح وكما روحه ولم يزل طفلاً  في المراعي مع قطيعه، متوحداً معها بكل ظواهرها..وليصبح خبيراً بعمله المؤقت هذا، تعينه عليه كتب جبران التي كان يحملها تحت ثيابه سرّاً إلى المراعي،وطيفه لايفارقه “التفت جبران خليل جبران إلى الصوت الآتي من قلب العاصفة،قطّب جبينه وزفر زفرة وهو يشاهد طفلاً في الثامنة…فسحب جبران الطفل إلى المغارة وسأله:من أنت أيها الصغير،ولماذا تتبعني كظلي…ألا تعلم أنّ التجول في العاصفة هي عادة طالما تمتعت بلذّاتها؟!![..]وليجيبه رجا العارف:”أنا لاأتبعك..بل أنت من تسكنني،تقاسمني روحي،تقتحم عليّ حياتي،رسومي أحلامي،وجهي وحتى هذه العاصفة[…] واقع وخيال يتقاطعان عند التقائهما….ومناخات حوارية تغمر العمل باسشفافاتٍ فلسفية آسرة..ورجا العارف الذي كان بالنسبة لسلمى مادة لبحثٍ طلب منها..”أضحى محطة حياتي،وعلمني نوعاً آخر للحب،ووجهاً جديداً للحياة[….]

  محطات عديدة تتوقف الكاتبة عندها…محطات شكلت تاريخ وتراث قرية “دير العواصف”. وأخرى مذكرات هجرته إلى البرازيل…إذ كانت هي الوريثة الوحيدة لحكاية رجا العارف،لدفتر قديم كتب عليه مذكراته.الشخصية واستفاض فيها عن أمه وأبيه وقريته،ودفتراً آخر كتب فيه مذكرات في غربته في البرازيل…مع لوحات رسمه هناك…ووو..

ويستدير العمر لحظة انعتاق الذات من وطأة الألم والحزن واليأس…ولتنفتح أمام سلمى دروب سعادة آنيّة خلقت لها عالماً “كانت السماء عناوين رشيقة،وكان بي من الدهشة مايكفي لإفتعال الربيع،ومن الشوك مايكفي لإفتعل الحياة، وكانت لكفّي القابضة على الجمر سياقات خضراء[…]

تتوالى الأحداث زاخرة بمشاهد يتقلب فيها الزمن مع سرديات يجوب فيها رجا دهاليز حياته وفكره…وعطاءات فنية بين لوحات ومنحوتات تميز فيها كفنان مبدع مغمور كجبران…وأحلام مؤجلة تتهاوى مع تلاشي فرصة منحةٍ من السفارة العراقية في البرازيل،مع عودته إلى لبنان بلده لإستكمال أوراقه،وتفجير السفارة العراقية حين كان لبنان غارقاً في حروب الغير على أراضيه، وليندفع وراء أحلامه مجدّداً من خلال فرصة للعمل في الخليج…ليغرق رجا مجدّداً في خيباته…عندما يتحول هناك من فنان…رسام ونحات إلى مجرّد عامل بناءٍ لسنوات كانت فقط لجمع المال وخسارة نفسه وجبرانه دفعة واحدة.

ولتبقى سلمى مستأثرة بالحدث مع سيرة رجا العارف إلى حدّ التماهي التي أصبحت جزْءاً منها إلى حدّ ترفض من يشاركها في البحث عن تفاصيلها…وهو الصحافي المصري الذي  كان في البرازيل والذي قدم لبنان بحثاً عن سيرة رجا العارف بعد أن ذاع وجود رفات والده “سعد القناص” في البرازيل تدفع الكاتبة بتلك الشخصية،مثرية عملها بنمط سرديّ لحكاية يتشارك فيها اثنان “سلمى وجمال”يسردها كلٌّ من طرفه.

ومايستوقفك هو تلك النهاية التي أخلى فيها رجا العارف المكان للصحافيّ جمال

في قلب سلمى مع رحيله الأبديّ….بعد أن رسمها لوحة…وبعد أن علّمها رقصة السامبا  

“سلمى هل تعرفين مالذي تحتاجه ال(كن) لتصير(كَوْنْ)؟!!…فأجبته:في الشكل تحتاج الواو؟….كم أخذ هذا الواو من تفسيرات…كلها برأيي أقلّ من واو تخرج على قواعد اللغة وتقفز فوق قوانين النحو إنها وااااااو الدهشة وشرط الحياة […]

 

    

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *