أدهم الدمشقي لـ Aleph-Lam: الكتابة تفرغ “حبري الأسود” وتنظف نفسي من الشوائب

Views: 834

ليلى الداهوك

صادق حقيقي جريء متصالح مع ذاته، يحمل رسالة أمل ويقظة من بين الرماد لكل معذب أو متألم ومجروح . ولج باب الفن من أبواب متعددة، فمن اللون والريشة إلى الخربشة بالورق حتى التعبير الجسدي، حاول دائما أن يكون مرآة لنفسه وللآخرين . أما شعره فقد كسر قاعدة أعذب الشعر أكذبه لتصبح أعذب الشعر أصدقه. الفنان الشامل أدهم الدمشقي كان لـ Aleph-Lam معه لقاء خاص جدا.

كيف تصف نفسك؟

أنا النهرالذي يمر في حنفية الماء،نهر طويل عريض مع كل دفقه وطاقاته غير قادر على المسير إلا ضمن حنفية ماء في بلد ومؤسسات سطحية مثل لبنان.

أين تواجهك العقبات؟

العقبات تواجه كل إنسان مبدع  يريد العمل في بلد مسّيس ومدّين ومتّجرمثل لبنان. فالمساحات الموجودة إما مسيسة أو مدينة ،إما هي منابر لتجارالدين أو تجار الدعارة الفكرية والسياسية والفنية ، وهذا أخطر بكثير من الدعارة الجنسية التي أعتبرها الأبرأ بينهم. لذلك فكل نهر إما تكون مياهه مهدورة في بحر ملوث أو يمر في حنفية تقفل تارة وتفتح تارة أخرى.

إلى أين تريد الوصول إذا تحولت طاقاتك إلى نهر؟

أحيانا أتمنى لو ولدت أخطبوطا بعدة أرجل وأيدي لأن طموحاتي متعددة وكبرى. فلا تكفيني مساحات اللون والكتابة والمسرح للتعبير عن كل ما في داخلي. ما زلت الطفل “الطميع” الذي يريد اللعب بكافة الألعاب في الوقت نفسه، وهذا متعب جدا فلم ينضج بعد الطفل في داخلي الذي يريد الدخول في كافة المجالات الثقافية والفنية. وهنا لا بد لي من الاعتراف أنني بدأت أجد فرادة صوتي في الكتابة أكثر منها في المسرح والرسم التي مازالت تجريبية.

أدهم الدمشقي أمام مجموعة من لوحاته

 

تجارب شخصية

كيف بدأت مشوارك الأدبي؟

بدأت فيه من المكان الخاص جدا الذي يخصني ويشبهني، فأنا بدأت بضمير المتكلم وبعلاقة شخصانية مع ذاتي واحترام خصوصياتي لتأمين مساحة التصالح مع ذاتي،كي أستطيع في ما بعد التصالح مع الآخر والحوار معه والكتابة عنه. بعكس الكتاب الذين يبدأون بضمير الغائب ليصلوا في آخر حياتهم إلى وضع سيرتهم الذاتية وهنا تكون طاقاتهم الإبداعية مؤثرة جدا فتسعى إلى تجميل الحقائق ولا تخرج إلى العلن ببساطتها،من هنا كانت فرادتي في البدايات .

يعني أن كل ما كتبته حقيقي ويتعلق بتجاربك الشخصية؟

أول كتابان لعبت فيهما دور الشاعر بعنوان “لو أني الله” وضعت نفسي مكان الله الذي تجسد وصار إنسانا ليصير الإنسان إلها وحاولت فيه حمل الصليب والأوجاع والمصالحة مع النفس . والكتاب الثاني بلا عنوان كنت ألعب فيه دور الأديب والشاعر الذي يرغب بكتابة قصيدة تحتوي الاستعراض والوزن واللاوزن، كما كنت أحاول التأكيد أنني أستطيع الخوض في كافة المجالات إضافة إلى تبني ورعاية وحماية قضايا المجتمع.

في هذا الكتاب اختليت بنفسي والطبيعة في الوادي وقرأت وكتبت مع البومة والواوي،وتطرقت إلى الوحدة، دخلت إلى مساحة داخلية أعمق وغصت نحو ذاتي أكثر وكان المسيح صديقي الملهم الأوفى في هذا المشوار.وفهمت حينها الوحدة التي يعيشها الإله حين يفقد الاتصال مع أبنائه الذين يبتعدون عنه ويرفضونه.

انتقلت بعدها إلى كتاب “لم يلد ذكرا لم يلد أنثى” وأعدت ولادة طفولتي وكأنني كنت الرحم الجديد لهذا الطفل “أنا” . ولكنه طفل لا يحمل هوية النوع لا ذكرا ولا أنثى لأن الذكريات الحميمية التي دخلت بها إلى بيتي الوالدي هي مشتركة مع إخوتي وأخواتي ومع والدتي. وعادت بي الذكرى إلى عمل والدتي في البيوت وفي المدرسة بالتنظيف، والإحراج الذي كنا نشعر به آنذاك،خصوصا خجلي ورفضي عندما كانت تدخل إلى الصف لتعبئة المازوت (وطبعا في ما بعد أصبح عملها موضع افتخار). وكيف دفنا والدي في طقوس لا أعرفها وجاءت إمرأة تقول لي والدك في السماء وقد ولد مكانه ولد جديد، وتخيلت أن إمرأة أخرى أحبت والدي وسرقته وإلخ مما يتعلق بالأسئلة الوجودية والاتصال مع الذات والآخر، كلها تبلورت في هذا الكتاب وكانت فرادة الصوت بالكتابة معه. إذا ولدت ولادة جديدة نقية من الجنس والتصنيف تعبرعن شعور إنساني بحت يطال الجميع.

ثم حاولت تحويل الكتابة التصالحية الحقيقية إلى أدب تصالحي يعني القارئ، كي لا أخسر الأديب والشاعر الذي لطالما حلمت به في فترات الطفولة التي رزحت تحت الفقر والعوز،فكان كتاب “سرير” الخضة الكبرى الذي انتظرت خمس سنوات قبل نشره لأسعى إلى تحضير الأجواء وأعقم المكان كي لا يتسبب فتح الجراح بتلوثات وأذى .

حضرت والدتي بالدرجة الأولى لقبول هذا الأمر وكنت معالجًا نفسانيا لها ولنفسي . حتى رافقتها خلال مسلسل تركي يتحدث عن الاغتصاب وكنت أناقشها عن الأحداث. ثم حضرت إخوتي حتى أصبح الموضوع مقبولا في المنزل،ولم يهمني تحضير البيئة والمجتمع فهذا شأنهم بالتقبل أو رفضه. ولكني تفاجأت بعد نشره بالكم الهائل من ردود الفعل الإيجابية التي وردتني وهو في طور الترجمة اليوم.

 كتبت فيه عن اغتصاب تعرضت له في الطفولة وعن ذكريات جنسية تخص البيت الوالدي، كيف كان أبي يضرب أمي خلال النهار ثم يقيم معها علاقة جنسية في الليل،وغيرها من التفاصيل.

بورتريه أدهم الدمشقي

 

إذا كتاباتك واقعية بدون خيال ؟

أغلب الأحيان ولكنني في أول الكتاب دمجت قصتين كي لا تُعرف صاحبة القصة وهي  تخص صديقتي السابقة التي رفضت أن تعرف شخصيتها فاحترمت خصوصيتها. أما باقي الكتاب فحقيقي تركته على انسيابيته وبساطته وواقعيته دون أي تغيير.  لذلك نجد تنوعا واضحا في القصائد بين واضحة وبسيطة وبين شعرية ونثرية أو أدبية. فأنا لا أحب الافتعال لا على صعيد الحالة ولا المرحلة ولا الكتابة لأنه توليد اصطناعي يزول.

أنت مع المساكنة؟

أكيد وأنا أفضلها كمرحلة مسبقة للزواج، فليتم إلغاء مرحلة الخطوبة لأنها بلا فائدة وليوفروا الحفلات والمال و”هبلن” ويستبدلوها بالمساكنة بهدف اختبار الشريكين من النواحي الفكرية والجنسية والمعيشية من أجل ضمان زواج ناجح.

تحدثت عن المسيح وخبرتك معه .. في الدين المسيحي ما تعرضه مرفوض لا بل خطيئة.

الكنيسة والمؤسسات الدينية ضد المساكنة وتعتبرها خطيئة.. أليست خطيئة أكبر العيش مع من لا نعرفه؟

إذا ترى أن نظرة الله مختلفة عن نظرة الكنيسة؟

طبعا الفرق كبير، فشتان ما بين الله والكنيسة ولعل أهم إنجاز لأوروبا هو استقلال الدولة عن الكنيسة.

ما تعريفك للخطيئة؟

هي أذية الآخر والنفس بالشكل المباشر بأي طريقة . أما من يقولون إن الجنس يؤذي النفس والآخر فكلامهم غير صحيح، لأن لقاء حبيبين بالمعنى الحقيقي والفكري ليس خطيئة.

شهادات تقديرية وجوائز

 

بوح من القلب

يقولون عندك شعطة جنون…

قرأت مرة قولا يتحدث عن الفرق بين العبقري والمجنون وهو أن الأول يلامس الجنون ويعود، أما الثاني فيلامسه ويغوص فيه. كل كاتب أو فنان يرتقي أو يبحث عن العبقرية يلامس الجنون والتمرد والنزعة الغريبة ويعود بالإبداع.

ما تعليقك على اعتبار كل ما لا ينضوي تحت لواء القوافي والأوزان لا يسمى شعرا؟

من قال إن كل من يمتلك القوافي والأوزان هو شاعر؟ وما هو الشعر؟ حسبت تعريفاته هو كل ما كتب وما يكتب وما سيكتب لذا لا نستطيع تحديد ما سيكتب . أنا شخصيا مؤمن بالكتابة التي تأخذ أشكالا مختلفة بلا حصر . فهل قصيدة عنتر بن شداد أو قصيدة المعلقات مثل قصيدة المتنبي أو مثل نصوص نزار قباني أو سعيد عقل؟ هل القوافي والأوزان شعر والنثر ليس شعرا؟ وما علاقتهما ببعضهما؟هل هذه تنتمي لتلك؟

كلها تدعى كتابة تختلف بأشكالها وبمستوى الشبه في ما بينها. برأيي أن الفنون والأشكال الكتابية تتداخل في ما بينها حتى تضيع المفردات ولكن يبقى لكل شكل استقلاليته وفرادته، فكل شكل يستفيد من غيره لينتج روحًا جديدة. من هنا لا يجب منع النص وتقييده في قالب أو تصنيف معين . مثلا ما أكتبه أنا لا أسميه شعرًا أو أدبًا أو رواية بل كتابة مولودة من العناصر الثلاثة. فهل سنسميه ابن الزانية لأنه مبندق من الفنون كلها؟ فليكن ابن الزانية ولكن لا شك أن أولاد الزانية لهم أحيانا كثيرة إنجازات وحضور أكثر من أولاد الطاهرات.

ما الذي يبكيك؟

الكثير من الأمور ولكن بكائي داخلي غير ظاهر وكمية الدموع في داخلي سواق تشكل ثلثي أدهم.

ما الذي يثير غضبك؟

أغضب في الكثير من الأحيان لأنني أضيع وقتي بعيدا عن الفن ولأنني مجبر على العمل كي أعيش وأصرف على فني . ولكني لا أفقد أعصابي أبدا فعنفي داخلي غير ظاهر وهذا يؤذي الإنسان أكثر. ولكن مرآة عنفي أغلب الأوقات هي اللوحة أو النص أو المسرح . فالكتابة تفرغ حبري الأسود لتسكبه حبرا على ورق وتنظف نفسي من الشوائب.

 في عالمه

 

ما علاقتك بالإشاعات؟

لم أتعرض لها سوى مرة واحدة لأنني بعيد عن وسائل التواصل التي تستغل الإشاعات لتدفع النجم إلى الشهرة السريعة. فقط في استديو الفن بدايات ظهوري في عمر 18 سنة انتشرت إشاعة أن أحدهم كتب لي، وكانت إشاعة مفبركة خبيثة وتم تكذيبها .

أجمل ما قرأته؟

أجمل ما قرأته هو الإنجيل بالدرجة الأولى ثم ما قاله “دوستويوفسكي” عن المسيح: “ليس هناك أكثر حكمة أكثر محبة أكثرحنوا أكثرعطفا من المسيح، فلو قال لي أحدهم إن المسيح خارج الحقيقة وتبين فعلا أنه خارج الحقيقة سأترك الحقيقة وأبقى مع المسيح”.

حدث غيرلك حياتك؟

خضني قلبي رأسا على عقب المسيح .

شيء كل ما تتذكره تضحك؟

مرة كانت أمي تنظف الكنيسة وأنا إعتقدتها بيتًا كبيرًا ممتلئًا باللوحات، وكنت ألعب فوجدت خمسة آلاف ما زالت بارزة من صندوق الكنيسة فسحبتها وأخبرت أمي بما وجدت، فنهرتني وطلبت مني إعادتها لأنها ليست لنا فذهبت ووضعتها على مضض في الصندوق . وما زلت على مضض أضع النقود في الصندوق الذي يجب أن يكون خارج الكنيسة وليس داخلها.

من صديقك أكثر الرجل أو المرأة؟

المرأة

لماذا؟

 أنا مدلل وتربيت في بيت أهلي بين 3 فتيات وعندي طرف متضخم أحيانا من النرسيسية التي تتصادم مع الذكور، مع أن لدي 3 أصدقاء ذكور أعتبرهم أصدقاء العمر ولا أستبدلهم أبدا. ولكنني بالتأكيد أتكيف بشكل عام مع المرأة أكثر من الرجل.

أمام مكتبته

 

حب وكره

ماذا تكره بأدهم؟

أنني “أعجق” نفسي كثيرًا وأحاول الغوص في العديد من الأمور في نفس الوقت.

ماذا تحب في أدهم؟

أحب أنني مثل المياه المنسابة من رأس الجبل ولا يقف أمامها أي  شيء حتى الصخرة تتخطاها . هذه الليونة في حياتي تجعلني مميزا أسير دائما إلى الأمام دون تصادم ودون أن أسمح للمواقف  باستفزازي وجرّي إلى الانفعال .

لقب تطلقه على نفسك؟

شجرة بعلية بامتياز تروى من المطر.

من تريد أن توجه له إعتذارا الآن؟

أعتذر من نفسي لأجل مواقف أخرتني أو أذتني، ومن كل النساء اللواتي خذلتهن لأني لست العريس المناسب،حتى أصبحت صريحًا مع كل امرأة تدخل حياتي أقول لها أدخلي وأتركي الباب مفتوحا. وأعتذرمن أبي.

هل أذيته؟

نعم أذيته بتأخر مسامحتي له فتركته لفترة طويلة عالقًا بين الأرض والسماء إلى أن فككت حبل السرة بيني وبينه وأطلقته. فقد كان يرفرف في غيمة سوداء لا تستطيع إطلاق المطر ولا الرحيل. وأنا أعلم أنه ضحية بيئته والحرب ولا يقصد تصرفاته عن سابق تصميم.

أنت ضد الزواج؟

على الصعيد الشخصي في حياتي لا أرى نفسي زوجًا.

أجرأ سؤال تطرحه على رجل؟

هل أنت إمرأة؟

أجرأ سؤال تطرحه على امرأة؟

هل أنت رجل ؟

لماذا؟

لأنه عندما لا يكون الرجل إمرأة والمرأة رجلا فإذا هناك نصف ضائع يجب التفتيش عنه. فلا يمكن للرجل أن يفهم المرأة إذا لم يكن بداخله إمرأة والعكس صحيح.وأنا أحب الأسطورة التي تقول إن الإنسان كان واحدا وانقسم إثنين وصار كل إنسان يبحث عن نصفه الآخر. أحبها كثيرًا وتعجبني.

لمن تقول الله يسامحك؟

الله لا يحتاج أن تعبر من خلالي مسامحته فهو يسامح الجميع. أنا سامحت كل من تسبب لي بالأذى الاجتماعي والجنسي، ولكن أثرهم داخلي لم يتطهر بشكل كامل بعد.

لمن الفضل في مسيرتك؟

كل فنان هو كمشة تراب جمعها من أماكن عدة ليملأ حديقته ويزرع وروده .

ما الذي يعجبك بالمرأة؟

تعجبني المرأة التي تجمع بين القوة الاجتماعية والأنوثة الجنسية. أن تكون في المجتمع صلبة وقوية وجريئة وفي الحياة الجنسية عطر وأنوثة. ويعجبني ذكاؤها وجمالها.

ماذا يعني لك الوطن؟

أنا أبعد ما يمكن عن احترام أي وطن في العالم لأن كل الأوطان أبدت فشلها . فالأوطان المتقدمة بنت تقدمها على حساب الإنسانية وضررها، والمتخلفة تخلفت وخلفت الإنسان معها.

هل تؤمن بالحدود؟

أؤمن بالحدود التي هي الموت فحدود الإنسان موته الجسدي.

أين تقضي أوقات المرح؟

أقرب أصدقائي الذين هم أصدقاء الروح بعيدين كل البعد عن جو الشعر والأدب، وأنا أقضي أوقات المرح والمتعة والراحة والسلام معهم . يحاكون طفولتي وعفويتي.

 

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *