في حديث الشِّعْر

Views: 830

د. منيف موسى

        الشِّعْر في مداه الأقصى سِحْر وابتداع. وكانت العرب قديمًا توقن – ولا أزال أنا اليوم أوقن – بقوّة سِحريّة في الكلمة … وهذا ما أدّى إلى الاعتقاد بـ “العزائم” و”الرُّقى” في الشِّعْر السّاحر. وفي التأثير السِّحْريّ من خلال اللغة الجميلة الراقية. فكانت مكانة الشاعر أشبه بمكانة “العرَّاف” أي العارف بالسِّحْر، أو بالأسرار الروحانيّة، وكذلك عند غير العرب. يعني أنّ الشاعر إنسان سماويّ، أو مجوسيّ جماليّ! فالشِّعْر الخالص الصافي المنقّى فنّ سِحْريّ وعبقريّ، سمته الدهشة والانبهار، وله “سجدة” تسمّى “سجدة الشِّعر”، كما جاء في خبر عن الفرزدق في كتاب “الأغاني”.

        والمرأة أجمل مخلوقات الله، وبها انتهى الخَلْق، فاستراح الله في اليوم السابع. وفيها اخْتُصِرت الطبيعة. فكيف إذا كانت شاعرة؟ أَفَنَذْكر عند العرب ليلى الأخَيليّة ورفيقاتها، وعند الأُمَم “سافو” [Sapho} الشّاعرة الإغريقيّة اللسبوسيّة (من لسبوس) التي غنّت الحُبَّ والجمال، وجدَّدت في الشِّعْر اليونانيّ، وكتبتْ قصائد مفعمة بالعِشْق والوجد، وكانت بلاد اليونان تعظّمها،وقد أطرى مواهبها أفلاطون نفسه. وهي القائلة: “… وإذا كان لسانُكَ عفًّا لم ينبس ببنت شفة خبيثة، فإنّ الحياء لن يحجب عني بريق عَيْنَيْكَ.” و”أنا مستلقية وحيدة في فراشي … كالعاصفة التي تعاقب السِّنديان يهزُّ الحُبُّ قلبي”.

        وشِعْر الحُبّ في جميع مستوياته وأنواعه وأغراضه وموضوعاته واتجاهاته، يكاد يكون – وحده – الشِعْر. فكيف إذا كان في حُبّ الشِّعْر والمرأة والوطن والإنسانيّة جمعاء؟ ولنا في أناشيد الحُبّ السُّومريَّة والفرعونيَّة، ونشيد الأناشيد، مثال رفيع لما نذكر!

        وشِعْري في الحُبّ، أعتزّ به، وهو صورة مشرِّفة عن أدبي. وهو فيه قطب الدائرة، إلى جانب قصائدي الطويلة. وشِعْري السياسيّ والوطنيّ والإنسانيّ والوجدانيّ، وشِعْر المناسبات. والشِعْر لا يُؤخذ مذارعة [أي لا يُقاس بالذراع]، بل خُلوصًا. وقد طَهَّرته نار العبقريّة والإبداع … أيكفي من القِلادة ما يُحيط بالعُنُق؟

        والشِّعْر فِعْلُ حُبٍّ ومحبة وسلام. وأُردّد ما قلتُهُ سابقًا غير مرَّة، أنْ “لا خلاص إلاَّ بالشِّعْر!”

        فإذا غنَّيتُ الوطن، ففي شِعْري، ساعتئذٍ، أعراسُ مجد وفخر وعزٍّ وعظيم هُويّة وانتماء، فيُسْتحضر التاريخ: بطولاتٍ، وثقافة وحضارة وكِبْر مَحْتِد، فيكون الوطن شرف وجودٍ، فإذا كان “حُبُّ الوطن من الإيمان”، كما جاء في الحديث الشريف، “فإنّ الخروج عنه عقوبة” كما جاء في الحيدث عينه … وما قولكم بما قال الشاعر:

“بلادي، وإنْ جارت عليَّ عزيزة           وأهلي وإنْ ضنّوا عليَّ كرام”

        وها الحبيبة تقول، “في تجليّات العِشْق”: “شهّاء أنا. هاتِ القوس [قوس الكمان – Archet]، فخصري وَتَر، وطوّقني هلالاً … فالهجعة إلى اكتمال .. خُطّ على جسدي عقل الأبجديّة. فأنْتَ القلم وأنا الدّواة”.

        ذلكم، هو الشِّعْر، في الحُبّ والانتماء، والعقل والقلب والوجدان، وفي سرّ العبقريّة، وسِحْر البيان. والشِّعْر دستوري وقصري، والكلمة عندي باقية في ضمير الزمان!

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *