أرق

Views: 944

سمر الخوري

*مهداة إلى شاعر…

استيقظتُ على عطر كلماته. كانت برائحة قصيدة سوريالية.

فوجئتُ أنني لم أصب بذعر. كأنني أنتظر مجيئه منذ ولادتي.

قلت له وأنا أطرد النعاس عن عيني السمكيّتين:

لماذا تأخرت؟

أصابته الدهشة. كان يتوقع أن أصيح بملء فمي، أن أجمع من في البيت عليه، أن يتحول دخوله المباغت غرفة نومي إلى فضيحة مدوية.

أكنت تنتظرين مجيئي؟ قال بتساؤل الحائر.

-منذ أول لقاء.

– لم أجرؤ على الاقتراب من قصرك المرصود. كنت أخشى الأقاويل.

– ولم تعد تخشاها الآن؟

– قررت المغامرة. طال غيابك عني. أصابني قلق وأرق، منذ رحيلك الفجائي.

– لم أعد أستطيع البقاء. لقد تعرّيتُ طويلا أمامك. أخبرتك قصتي بكامل تفاصيلها.

– ونسيتُ كل ما أخبرتني به. أنا بئر عميقة الأغوار.

– مياهي أصبحت جليدا. تجمدت على صفحة وجهي.

– أبحث عن الينبوع، في أعماق كهف روحك.

– لن ترى إلا الظلال.

– لن ألتفت خلفي. لا أستطيع التحديق في أنوارك الصوفية.

– قرأت مقام التوبة منذ لقائنا الأول.

– وأنا ما زلت أدور حول النار. يقظتي بعيدة الدلالات ومغلقة كقصيدة حديثة.

– نظمت لك الكثير من القصائد. لم تكن على قدر طموحي فمزّقتها وألقيتها في نار خرقتي.

– كنت أخرق لأني لم أفهم شعرك.

– كنت على حق، لأن شعري كان دون مستوى الإبداع الذي يليق بناقدة.

– النقد والشعر زوج وعشيق.

– شعري صديق افتراضي ، لهو وعبث بين مراهقين.

– لستِ مراهقة. لقد أصبحت سيدة بكامل أنوثتها، تعرفين ما تريدين. قصيدتك ذات وزن، وقافية. لم تعودي مراهقة غافلة.

– ولكنني أسير في القافلة.

– هي قافلة الحياة. من لا يسر فيها تطأه الأقدام.

-أفضّل الطيران.

– ……….

– لماذا الصمت؟

– ستبقين تحلقين فوق المياه، أيتها النورسة؟

– سأبقى سمكة لا تستطيع الطيران إلى القمر.

– والقمر لن يغوص في الماء. صورته وحدها تطوف على صفحة البحر، إلى أن تطردها الأمواج والغيوم…

– وشمس الحقيقة.

– أنت الحقيقة الوحيدة في خيالي كشاعر.

– ولكن أجمل الشعر أكذبه.

– أنت ملهمتي الأزلية. انتظرت رؤيتك منذ رحلتي السندبادية الأولى.

– لا أعرف من أنا. تتقاذفني الأمواج دائما ، ولا أستكين.

– لهذا السبب لا تنامين. عاشقة سرمدية أنت، فكيف لا تأرقين؟

– أعشق زوجي وابنتي…ولا أفكر في غيرهما، ما دمت على قيد الحياة.

– ألم تفكري فيّ يوما؟

– فقط في أحلامي. وكانت الشمس تبدْد الظلام والضباب.

– ولكنك كنت تنتظرين مجيئي.

– كنت أبحث عن وجود خارج وجودي.

– وهل وجدته؟

– وجدت ذاتي…فقررت الانتحار.

– الانتحار؟ ماذا تقولين؟

– انتحرت حين استقبلتك، ليلا، في غرفة نومي.

– سأرحل كما دخلت، ولن تريني بعد الآن.

– لن تستطيع الرحيل وقد سرقت النار من أجلي. عقابنا أبدي.

– لن تتجدد المأساة.

– انتهى لقاؤنا. سأغلق الفايسبوك، قبل أن تستيقظ ابنتي.

– وزوجك؟ متى يعود؟

– لن يعود….

– زوجك شمس الواقع…

– الشمس أيضا لا تستطيع اختراق الأعماق.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *