أقلامنا أزاميل وجداننا

Views: 312

سليمان يوسف إبراهيم

أَقلامُنا رسلُ أَحلامِنا، بها نخطُّ آمالنا أَشرعةَ نصوصٍ، أَمْ طيورَ إِبداعٍ، قِصدانًا!

عشّأقُ أَناملِنا، على متنِها يسوحُ فكرُنا، إلى القلوبِ والعقولِ بالجماليات: زرافاتٍ ووحدانا!

مسؤوليَّةٌ هي أَن نمتطيَ صهوةَ قلمٍ، لأَن حبر الكتَّاب والـمُفكّرين والشُّعراء، يسوس أَدمغةَ البشر ويشكِّل مخيّلاتهم، مواطنَ جمالٍ أَم بؤَرَ شرور، من حيث لا يشعرون، وإن كانوا القراءةَ بِمعظمهم يُجافون، وعدم الفائدة منها يدَّعون، في هذا الزَّمن المترهِّل ثقافةً حقَّةً، حيث يُمعنُ أَهله بالسَّعي خلفَ ثقافةٍ مسطَّحةٍ، في عصرٍ مُتسرِّعٍ بعيدٍ عن التّمعُّنِ والتَّدقيق، وتذوُّق الحلاوات وتخيُّرِ الجيِّد المُفيد، في زمن هذا الخِضمّ الهائل من الحبر الذي تغدقُ علينا به الشَّاشة الزرقاء، من غير طائلٍ ولا حسيب، وعلى ما يبدو لن تنقضيَ له مواسمُ!

كلّما قاربنا حقلَ الكتابة، علينا أَن نرسُمَ لِما نكتبُ مُخطَّطًا توجيهيّاً؛ يوصلُ كلمتنا إلى المآل المرجو، لتتحقَّقَ منها الأَهداف المتوخّاة، مُحاولين إِجابة أَنفسنا، قبلَ قرّائنا على اثنين: لِمَ نكتبُ؟ ولمَنْ نتوجَّه؟ كي نأملَ من بعدها، أن تؤتي كتاباتنا ثمارها المرجوَّة.

أَولُ أَزياء الكتابة، زيّ الفائدة، التي تستر تعرِّيها من التفيُّش وتقيها السّقوط وصاحبَها في غياهب النِّسيان. أَما ثانيها، فتقديم جديدٍ يضيفُ إلى معارف القارئ معرفةً يأملُها، من خلال مُطالعته للمكتوب، بحلَّةٍ تكتنز بعضَ صفات إبداعٍ، تشير إلى أَلمعيَّةٍ ما في شخصيَّة الكاتب، الذي أُولى وأَوْلى صفاته أن يتحلّى بصدق ما يقول، وصوابية ما ينقل، لتأتي كلمته بنَّاءةً للإِنسان، مكوِّنةً لخصائص وميزات شخصيَّته، فردًا وجماعةً بشريَّة، تتوق إلى أَنسنةٍ جراء كسب معارف واضحةٍ، صحيحةٍ وحقّة.

فكلُّ ذلك، لن يتأتّى عقولَ النَّاس، إلَّا إِذا فاض به إناءُ كاتبٍ مُلِئَ معرفةً، واغتنى ظُرفًا ولياقةً، ليتمكَّن من معرفة ما الجديد في ما ينقل، واستنباط الـ «كيف» التي عليه اتِّباعها في إِيصال ما يقول، مُلبسها ثوبًا من الجِدَّة والجَدِّيةِ، ليصيبَ لدى قارئه وطرًا، وتعمَّ الفوائد: فتحيا كلمة الكاتب في نفس وعقل ولسان القارئ، داعيًا سواه إلى تعرُّفِها، بعد أن تذوَّق طيبَها وفقِهَ فائدتها.

فنحنُ حملة الأَقلامِ، مسؤولينَ تُجاه مَن يقرأُنا. لأَنه، ومهما تطوَّرت وسائلُ القول: تبقى مادته الكلمة؛ وعلينا بتخيُّرِها. فالأوّلون من أَنبياءٍ ورُسلٍ بالكلمة علَّموا. فإن شئنا أن نكتُبَ لنُعلِّمَ في أَذهان ووجدانات النَّاس، من خلال ما نعلَمُ، كما يُعلِّمُ النَّقشُ في الحجر، فعلينا باحترام عقول مَن نتوجَّه إليهم. وبغير ولغير ذلك، فلا حاجةَ لنا بادِّعاءِ الكتابةِ هوايةً أو مهنةً. فعلينا، أن نتَّقي الخَلقَ في ما نبثّه أَزاميل وجداناتنا!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *