قصيدة وتعليق

Views: 2122

سمر الخوري

 

سمراءُ الليلِ الأحمرْ

 

إمرأةُ الليلِ الأسمرْ

تتثاءبُ خلفَ ستارِ العتمةِ

تدعوني

أُدخلْ في فرحِ الأحزانْ

لملِم دنياكَ من الطرقاتِ الورديّةِ

أشعلْ عينيكَ ..

لتبصرَ في عاصفةِ الليــــلِ

لتدخلَ في

… زمنِ العميــــانْ

 

زياد عقيقي

 

الولادة الثانية

 

سمراء الليل الأحمر عنوان قصيدة الشاعر زياد عقيقي. والشاعر في بوحه، في القصيدة، مسكون بفعل اعتراف مؤجل.

ثلاثة حقول تسيطر على فضاء القصيدة انطلاقا من العنوان.

الأول هو السمرة . والسمرة صفة عربية. ولكني أرى فيها البعد الآخر المرتبط بالسمر، ومنادمة القمر.وهي نفسها التي قال فيها الشاعر الكبير سعيد عقل:

سمراء يا حلم الطفولة      وتمنع الشفة البخيلة

ولكنها ، في شعر عقيقي،  مسكونة بحقل ثان هو الليل، بكل ما يحمله الليل من غوص في اللذات، وتفجير لمكبوتات الذات. وهذه النسبة تقودنا إلى صورة متطرفة للمرأة ، ذات تأويلين لا ثالث لهما. فهي غانية من فتيات الليل يسعى الشاعر إلى رفقتها، أو حلم يراود الشاعر في ليله الطويل الشبيه بليل طرفة بن العبد. حلم  قد لا يستطيع إرواءه، أو أن يردّ إغواءه. والصورتان متساويتان في اعتقادنا، يعانقان الحقل المعجمي الثالث:الحمرة. وتوحي صفة الأحمر لليل بالشهوة والملذات. إنه ليل الجسد الثائر على المحرمات.

ولقاء اللونين الأسمر والأحمر في ذات الشاعر دليل الصراع القائم  بين اللذة والموت. وقد يكون تجسيدا لفكرة الموت بسبب الخطيئة.فتقلب الآية بين العنوان وافتتاحية القصيدة، إذ يتحول الليل الأحمر إلى ليل أسمر. يصبح هو نفسه السمراء، بكل ما تحمله هذه الحلولية من شعور بعقدة الذنب، إذا جاز التعبير. وتصبح السمراء امرأة في موازاة الليل الذي امتلك سمرتها، وعنوان/عنفوان شرقيتها.

بعد انتهاء اللقاء، في ليل أحمر، دخلت السمراء في ليلها الخاص، تتثاءب في العتمة، خلف الستار. والستار من السترة، خلف حجاب الظلمات، والخطيئة. تصبح السمراء امرأة، حواء القديمة، تدعو آدم الشاعر إلى العصيان، إلى لذة أكل التفاحة، ولو كان في ذلك الخروج من الجنان، أو ما أطلق عليه الشاعر فرح الأحزان. إنها تدعوه إلى اللذة المصحوبة بالألم، إلى انتهاك حرمة الشجرة الفردوسية، شجرة معرفة الخير والشر. فتشتعل عيناه بالنور ، فيدرك أنه عارٍ كما الحقيقة، وببصر قدره الجريح، في غابة الدموع، بعد العاصفة. لبل الخطيئة . الخطيئة التي عاقبتها الموت. ولكن الشاعر لا يموت، بل يفقأ عينيه، يدخل زمن العميان، تماما كأوديب.

وتعيدنا صورة اشتعال العينين إلى خروج الشاعر من عالم الظلال إلى النور ، ليبصر الحقيقة الساطعة، ويدرك عمق الجريمة التي اقترفتها يداه.

هي المرأة النبية التي تحرّض الشاعر على عدم الركون إلى سكون موته، إلى كذب عالمه الافتراضي. فالكهف الذي يعيش فيه طريق ورديّ ولكنه ليس الحقيقة. إنه عالم من خداع وضياع. هو عالم مظلم الجنبات، كاذب الخلجات والعتبات. ولا مفرّ من الاشتعال، كي يتحرر الإنسان من ظلمات التقاليد وقيودها الجوفاء.وتكون النتيجة اشتعال العينين، البصر، والانبهار إلى حدود العمى، ليبدأ دور البصيرة، أو عهد النبوة الطارف والتليد.

أيها الشاعر المسكون بهاجس البحث عن الحقيقة، شعرك ديوجين، حينا، وأحيانا بروميثيوس، ولكنه دائما أسير عالم المثل الأفلاطوني.

أيها الأوديب الثائر، يا سليل الزرقاء، سمراؤك أضاءت لك الطريق، واكتسبَتْ صفة النبيّة، فعمّت الأرضَ الآلاء، وأزهرت دموع النرجس، من جديد، في قيثارة أورفيوس الأحلام السمراء.

ما أسعد سمراءك الحلم، تدعوك إلى صحو مفرط،إلى كسر الجليد، كي تبدأ الولادة الثانية، بعد الطوفان.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *