د. منيف موسى: هذه وصيتي “أي لبنان أريد”

Views: 495

كأنه أدرك أن بقاءه على هذه الأرض لن يطول، وأن موعد الرحيل سيحين عما قليل، فاستودع موقع Aleph-Lam  في بداية الصيف وصيته لشباب لبنان وللبنانيين مستشفًا من خلالها آفاق المستقبل الذي يريده لهذا الوطن ومستبقًا كل ما تضج به البلاد اليوم من أحداث وشعارات. 

د. منيف موسى الذي رحل ووطنه في خضم أزمة عاتية، سيبقى حاضرًا بقوة بمبادئه الوطنية الكبرى التي آمن بها وعلمها لأجيال واجيال من طلابه، وبإبداعه الشامل نواحي الفكر والأدب والنقد والفن… 

وفاء ولكل ما يمثل من قيمة فكرية ووطنية، نعيد نشر وصية د. منيف موسى التي سبق ونشرناها في حزيران 2019 تحت عنوان: “أي لبنان أريد”.

 

د. منيف موسى

     أريدُ لبنانَ، وطنًا عظيمًا، بحدوده الدوليّة المعترف بها. وبلدًا ديمقراطيًّا، علمانيًّا، ودولة مدنيّة. عنوانه الحريّة والعدالةُ والمساواةُ بين جميع أبنائه. والولاء المطلق له من دون إشراك.

     أريدُ لبنانً، مسؤولاً فهيمًا، واعيًا، مخلَصًا، نظيف الكفّ، كبير العقل، واسع الصدر، يرى كل حبّةِ ترابٍ من الوطن جزءًا من قلبه، وعينه، وفكره.

     أريدُه مواطنًا مسؤولاً عاملاً، قائمًا بواجباته، حائزًا حقوقه، وموظّفًا ثقة صالحًا.

     أريدُ لبنانَ، قلبَ العالم العربيّ، رائدَ نهضته وحضارته، وعيًا والتزامًا قوميًّا وإنسانيًّا، وبوتقةَ تفاعلٍ صريح، تمليها وحدة الحياة القوميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة بتعامل متكافئ واضح.

     أريدُ لبنانَ، تربيةً قوميّة وطنيّةً أصيلة، وتعاطفًا إنسانيًّا أكيدًا وتعليمًا مدنيًّا بنّاءً، وتثقيفًا سليمًا رائده الوطن بكل عناصره وفئاته، وديدنه صهرُ الأسر اللبنانيّة كافة بالزواج المدنيّ والمصاهرة، لتكون العمومة والخؤولة الجسر الممتدّ بين جميع أفراد الشعب.

     أريدُ لبنانَ، لا مغبون فيه، ولا محرومَ، ولا مشرّد، أريدُ بيتًا لكلّ مواطن وسكنًا لمَنْ لا سكنَ له.

     أريدُ لبنانَ، الرجلَ الصالحَ ذا الكفاية في المركز المناسب، بدون النظر إلى معتقده، فالحريّة حقٌّ طبيعيٌّ لكلّ إنسان، في القولِ والفكرِ والعمل، وما كانت تخضعُ إلاّ لموجبات السلامة الوطنيّة والأمن القوميّ.

     أريدُ لبنانَ، الشبابَ كلَّ الشباب، في خندقٍ واحدٍ في خدمة علمٍ واحد، وأرضٍ واحدة، ومصيرٍ واحد، أريده قوىً دفاعيّةً قادرةً على حمايةِ كلّ شبرٍ من أرضِ الوطن.

     أريدُ لبنانَ، التعليمَ الإلزاميّ المجانيّ، والتوجيهَ العلميّ المدروس.

     أريدُ لبنانَ، ضمانَ كلِّ الشعبِ ضمانًا صحيًّا واجتماعيًّا ومدنيًّا تسهم فيه الدولة والمواطنون معًا.

     أريدُ لبنانَ، القانونَ الصحيح المستمد من متطلباتِ المواطنين القادرَ على تلبية حقوقهم المطبَّق على الجميع من دون استثناء.

     وأريده، مكتباتٍ عامةً في كلِّ حيّ وبلدةٍ وقرية. ودار نشرٍ وطنيّة تقدّمُ الكتبَ بأثمانٍ زهيدة.

     وأريدهُ، مسرحًا قوميًّا مركزيًّا، ومتجوّلاً، من أجل تنمية الفنّ ورعاية أصحابه.

     وأريده، دار الأوبرا الوطنيّة، من أجل الإسهام في الحضارة الإنسانيّة، وقصر ثقافةٍ يرعى الإبداع والمبدعين.

     وأريده، تخطيطًا دائمًا مدروسًا ليظلّ ورشة عملٍ مستمرّ عبر وزارة تخطيط عصريّة.

     وأريده، بناءَ الإنسان بصورة دائمة على أن يكون هذا العمل عمل كلّ يوم.

     ولن يكون لنا لبنان إلاّ بكلّ مكوّناته الاجتماعيّة والوطنيّة المتفاهمة حضاريًّا وحياتيًّا.

     فلبنان بطاقاته الفرديّة والجماعيّة حركةٌ ديناميّة فاعلة، لا يلزمها سوى فسحات من السلام والأمن لتعطي العجائب. وما كان لبنان عبر تاريخه غير الناهض بأعباء الفكر والعقل والعمل.

     وآية لبنان، أنه واجب وجود، وليس بلدًا لفئةٍ من أبنائه دون الأخرى. وليس به حاجة في كلّ مرّة يُحتكم إلى هويته إلى إبراز شهادة براءة وحسن انتماء.

     وآيته أيضًا أنه بلد انفتاح، تتفاعل على أرضه مختلف حضارات العالم. وميزته، أنه منفتح على شرق وغرب على ما في سماته المشرقيّة من أصالة وترصّن ..

     ولن يبقى لبنان، ما لم يظلَّ مجذّرًا شرقيًّا، منفتحًا، بعيدًا من عبث العابثين، قادرًا على حماية نفسه بنفسه دون طمع الطامعين. ولبنان قبلُ وبعدُ، وطنٌ من الصغر في المساحة، والكِبَر في الطموح، له حقّ البقاء …

الميَّة وميَّة (صيدا – لبنان)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *