“ذكرى المولدِ النبوي”

Views: 28

المِطران جورج خضر

إيه محمّدُ،في ذكرى مولدِك التي يُقيمُها المسلمونَ في الأرض،أقفُ معهم متأمّلاً في بعضٍ من جوانبِ رسالتِك.إن مَن أطاعَ اللهَ وأسلمَ إليه،على دينِك كانَ أم على غيرِه،لا يستطيعُ أن يُنصفَ إذا تجاهلَك. (Adipex) ذلك

لأنك في خطِّ إبراهيمَ أبينا وأبيك.لقد خرجَ إبراهيمُ

إلى أرضِ اللهِ وميعادِه والرجاء، ورسمتَ أنتَ في الهجرةِ والإسراءِ،أن الحياةَ الفُضلى تقومُ على هذا التحوّلِ المستمرِّ إلى الله.ذلك لأن كلَّ بقاءٍ استغراقٌ

في الفانيةِ وغشاوةٌ دون رؤيةِ الجنّات.

يا أيها النبيُّ الأُمِّيُّ،لقد أدركتَ،في تواضعٍ عظيم،أن اللهَ يؤتي الناسَ العلمَ،وأن كلَّ ما قرأتَه على الناسِ

إنما قرأتَه باسمِ ربِّك.وما عرفتَ نفسَك سوى نذيرٍ بشير،فرفعَك هذا الاختفاءُ وراءَ الرسالة،فاحتملتَ بسببِها الأذى وزهدتَ حقّاً بدنيا شئتَها للدين.وكان انشراحُ صدرِك في أنّك أدّيتَ الشهادةَ ورأيتَ العربَ

يدخلون أفواجاً في التوحيد.

أُمِّيتُك هي عذريّةُ نفسِك،كانت صرخةً على الشّرْك،

فغدوتَ في صفاءِ التوحيدِ،كما يكونُ الأُمِّيُّ أعذرَ بالنسبة إلى الحرف.وكان كِنْهُ الإخلاصِ المنزَّه المؤمنُ ربَّه عن كلِّ ما عداه”قُلْ هو اللهُ أحد اللهُ الصّمَد”.

قولٌ ليس هو عقيدةً وحسبْ،ولكنه آدابٌ وتطهّرٌ ليبقى اللهُ وحدَه مهيمناً على الأرضِ ومَن عليها،

ويعرفُ البشرُ أنّ لا قوامَ لهم إلّا برعايةِ حقوقِه.

كنتَ سيفاً مصلَّتاً على الأنصاب.أليستْ ماهيّةُ الإيمانِ

أن يحفظَ الإنسانُ نفسَه من الأصنامِ،تلكَ التي ينحتُها في نفسِه وخارجَ نفسِه.المرءُ يُقيمُ لشهوتِه الصنمَ خشْيةَ التردّي في متاهاتٍ يوحِّدُ النفسَ فيها مع خالقِها.

كلما تحرّرنا من سلطانِ الأنصابِ، لنا أن نكرّرَ ما تَلوْت:

“وقُلْ جاءَ الحقُّ وزَهَقَ الباطلُ إنّ الباطلَ كان زهوقاً” (سورة الإسراء).

ولكنّ الإنسانَ لا يستطيعُ الخروجَ على الباطلِ ما لم تحرّرْه الكلمةُ التي ينطِقُ اللهُ بها:

“إقرأْ وربُّك الأكرمُ الذي علّمَ بالقلمِ علّمَ الإنسانَ ما لم يعلمْ”(سورة العلَق).صفحةٌ بيضاءُ هذا الإنسانُ ما لم يُكتبُ اللهُ في ذهنِه حقيقة.على اللهِ وعلى كلامِه ينفتحُ العقلُ إذا عقَل.ولذا دارت الحضارةُ التي انبثقتْ عنك حولَ اللّغةِ وعلومِها.لقد تبتّلتَ إلى اللهِ

بكلِّ قواك وغِرتَ على شأنِه غَيْرةً مُثلى،وأردتَ أن يتبعَ المسلمون رِضوانَه،وجامعتُهم الوحيدةُ التقوى،

فإذا هم زرَوا على غيرِ هُداها وعلى غيرِ سماحةٍ،

فإنهم لا يزالون على عصبيّةِ قُريْش التي تنكَّرتَ لها.

سلامٌ عليك في ذِكراك،يا مَن أردتَ أن يُخرِجَ اللهُ الناسَ من الظُّلُماتِ إلى النور.(سورة إبراهيم)

                     ( الأحد ١١ تموز ١٩٦٥)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *