الـرئيس القـويّ
الوزير السابق جوزف الهاشم
الرئيس القويّ ، ولبنان القويّ ، والجمهورية القوية ، عظيم … كـلُّ شيءٍ عندنا قـويّ .
ولكنَّ القَّـوةَ الملغومةَ بالقوّة المضادة ، هي التي تطوّقُ الرئيسَ القويّ ولبنان القوي والجمهورية القوية ، بشريطٍ مفخَّـخٍ ناسف .
الثورة طرحتْ إشكالاتٍ وتساؤلات حول تحديد مواصفات الرئيس القوي ، إنطلاقاً من تسلسل تاريخي رئاسي حافل .
الرئيس القوي بتمثيله الشعبي يتعرّض للمحاربة بتمثيل شعبي مضاد ، إذا طغـى الثـقلُ الشعبي على الثـقلِ العقلي .
بشارة الخوري المرشّح القوي للرئاسة ، واجَـهَ مشاكسةً ضاريـةً من إميل إدّه المرشح الرئاسي القوي ، فأدّى صراع القوَّتين إلى ترشيح الشيخ محمد الجسر للرئاسة ، وكادت صاحبة الفخامة تطـير من إيدي الموارنة ، لو لم يتدخّل المفوض السامي الفرنسي بحلّ المجلس النيابي.
وبشارة الخوري الرئيس القوي ، عندما استقْوَتْ ولايتُه بالفساد تألّبَ عليه السياسيون الأقوياء وأسقطوه في النصف الثاني من الولاية المجدَّدة .
وكميل شمعون الرئيس القوي بسبب إلغاء كـلّ الأقوياء إنتهى عهده بثورة .
وفؤاد شهاب عندما أصبح يتمتّع بالثقل النيابي والشعبي القوي ، تنكّر له الموارنة، وانقلب تمثال سيدة حريصا ضـدَّه .
وسليمان فرنجية الموصوف بقوته بدأ عهده بثورة وانتهى باحتلال .
وبشير الجميل القوي ، لأن عهده تضارب مع كل قوى الحرب إنتهى قبل أن يبدأ باغتيال .
والجنرال ميشال عون القوي عسكرياً ، وسمير جعجع القوي ميليشياوياً تدمّرت معهما المنطقة المسيحية بحروب التحرير والإلغاء.
مصيبة القوة المارونية في أنّها تتجـنّد سباقاً محموماً نحو ذلك الفردوس الذي إسمُـه بعبدا ، تلك الجنّة التي تجري من تحتها الخطايا كما الأنهار ، وتجري من فوقها حيّـةٌ وتفاحةٌ وحواء .
حواء المارونية لا تزال تَـلِدُ أبناءَها بالوجع السياسي ، وقديماً عندما استُعمل المخـدِّر للمرة الأولى إعترض رجال الكنيسة لأن تخفيف آلام الوْضعِ مغايرٌ للدين، ولأنه كُتِـبَ للمرأة أنْ تلِـدَ بالأوجاع .
الحقائق السياسية تفرض علينا الإعتراف ، بأنَّ الكثير من الأحداث السياسية المضطربة في لبنان ، غالباً ما يخيِّم عليها الشبح الماروني الرئاسي.
وأنّ كثيراً من الآمال المارونية قد تبدَّدت بسبب جنون الشبح ، حتى أصبحتِ الرئاسة الأولى أشبه بالصنَم ، والصنَم حسب جبران خليل جبران : “ترابٌ جبَلتْـهُ الشياطين فوق رابية من جماجم الأموات …”
من المغامرة الرهان على التخلّي عن هذا الموروث الرئاسي الماروني وقد أصبح مرتبطاً بعقدة بيوليوجية ، فلا يولَدُ طفلٌ حتى يحمل معه جرثومةَ الفخامة، بل لعل الثورة تحقق لنا الخلاص بتحقيق أهدافها بالدولة المدنية ، مثلما تحوَّلَـتْ فرنسا سنة 1905 عن المسيحية الى العلمانية حسماً للإقتتال المسيحي على السلطة بين البابا والأمبراطور ، فإنْ أخفقت الثورة ، فلا يبقى إلاّ آخـر العلاج الذي هو الكيّ : أَسْلِموا الرئاسة … وخلّصونا .
***
(*) جريدة الجمهوريـة 15-11-2019.