وَما لَكَ لا تُجِيبُ؟ 

Views: 9

 مُورِيس وَدِيع النَجَّار

(في الذِّكرَى السَّنَوِيَّةِ الأُولَى لِغِيابِ الصَّدِيقِ الغالِي، الشَّاعِرِ نَظمِي أَيُّوب)


نَظْمِي… وَما لَكَ لا تُجِيبُ؟ نَدعُوكَ وَالأَسَفُ الخَطِيبُ
طالَ الغِيابُ، فَبَعْدَ نَأْيِكَ لازَمَ الرَّبْعَ القُطُوبُ
يَدعُوكَ، مِن شَوقٍ، صِحابُكَ، هَل تَرُدُّ؟! أَلَا تَؤُوْبُ؟!
فَخُطاكَ ما زالَت تَرِنُّ، وفي مَواقِعِها دَبِيبُ
وَلَقَد تَرَكتَ هُناكَ رِيَّكَ فَالمَدَى وَرِقٌ عَشِيْبُ
وَإِلى المَغانِي طَيْفُكَ الغالِي يَعُودُ فَلا يَغِيبُ
هُوَ مِ البَخُورِ شَمِيمُهُ، فَنَداهُ أَزهارٌ وَطِيْبُ
هَذِي الدَّوالِي في الحَدِيقَةِ كَم بَدا فِيها الشُّحُوبُ
لَمَّا تَرَكتَ، وَلَم يَعُدْ لِجِوارِها الرَّاعِي الدَّؤُوبُ
وَالسِّندِيانَةُ، كُنتَ عاشِقَها، نَمَت فِيها النُّدُوبُ
كَم قُلتَ لِي تَحكِي لَها فَتَخالُ مارَ بِها الخُضُوبُ
هي فَوقَ شُرفَتِكَ الأَثِيرَةِ، لا تَهَشُّ، ولا تُجِيبُ
حَتَّى النَّسائِمُ في الغُصُونِ خَبَتْ، وَحَتَّى العَندَلِيبُ
هذا نَراهُ، وَرُبَّما هِي، مِثلَما كانَت، طَرُوبُ
فَلِحاظُنا، وَالدَّمعُ أَثقَلَها، ذَوَت، وَبِها نُضُوبُ
وَظَواهِرُ الأَشياءِ تَجْهُمُ حِينَ ناظِرُها كَئِيبُ!

***

نَظْمِي أَغِثْنا… هَل بِها لِسُؤَالِنا الكاوِي مُجِيْبُ
هَذِي الغُيُوبُ، وَكَم بِنا تَوقٌ لِما طَوَتِ الغُيُوبُ؟!
إِنَّا تُعَذِّبُنا الظُّنُونُ، فَسُؤْلُنا قَلِقٌ صَخُوبُ
نَحتارُ هَل هَذِي الشُّكُوكُ مِنَ البَداهَةِ أَم ذُنُوبُ
وَنَوَدُّ لو نَدرِي المَصِيرَ، وباتَ يَدهَمُنا المَغِيبُ
نَطوِي الحَياةَ مُنَقِّبِينَ، وَحَقلُ شَقْوَتِنا رَهِيبُ
يَقضِي الجَهُولُ كَما قَضَى، في تِيْهِهِ المُضْنِي، اللَّبِيبُ
هَل نَحنُ في السَّمْتِ الصَّحِيحِ، وَلَيتَ شِعرِي هَل نُصِيبُ؟!

***

عامٌ مَضَى، يا صاحِبِي، وَلَأَنتَ في الرُّؤْيا قَرِيبُ
لُقْياكَ تَنشُدُها الجُفُونُ، وَأُنْسُكَ الوافِي القُلُوبُ
أَنا ذاكِرٌ أَيَّامَ نَغرَقُ في الجِدالِ وَأَستَطِيبُ
فَعَطاكَ مَوْرِدُ مُتعَةٍ، وَحِماكَ مَوفُورٌ خَصِيبُ
وَجَناكَ أَثمارٌ، خُمُورٌ، أُلفَةٌ، شِعْرٌ، طُيُوبُ
كانت قَرابَتُنا الحُرُوفُ، وَحَبَّذا الحَرْفُ المُصِيبُ!
رَبَّاهُ… كَم مُرٌّ غِيابُ الإِلْفِ، كَم قاسٍ عَصِيْبُ
وَهوَ الصَّدِيقُ، المُستَنِيرُ، الشَّاعِرُ، الفَذُّ، الأَدِيبُ
مَنْ في تَلاقِي الصَّحْبِ وَهَّابٌ، وفي الجُلَّى مَهِيْبُ
هِيَ ذِي الحَياةُ وَسِرُّها الخافِي، وَمَسراها العَجِيبُ
تَطوِي الدُّرُوبُ قَوافِلًا تَتْرَى، وَلا تُرْوَى الدُّرُوبُ
وَيَمُوتُ نَيْسانٌ لِيَأْتِيَ، بَعْدَهُ، القَفْرُ الجَدِيبُ
وَنَسِيرُ، أَينَ نَسِيرُ، يا رَبِّي، وَتَغمُرُنا الخُطُوبُ
والأُفْقُ يَبتَلِعُ الشُّعاعَ، وَخَلفَهُ تِيْهٌ مُرِيبُ؟!

***

هِنَّا عِيالُكَ، صاحِبِي، والوَجْدُ في مُهَجٍ شَبُوبُ
والدَّمعُ في خَلَواتِهِم عاصٍ فَلا يُخْفَى، سَكِيْبُ
والحُزنُ، بَعدَ غِيابِكَ القاسِي، يُذِيبُ وَلا يَذُوبُ
مَن قالَ في النِّسيانِ بُرْءٌ؟ إِنَّهُ البُرْءُ الخَلُوبُ
يَومَ الحَنايا في لَظًى، والجُرحُ نَزٌّ لا يَطِيبُ
مَنْ قالَ تَنسَى زَوجَةٌ حُرُّ الوَفاءِ لَها حَسِيبُ
مَنْ قالَ يَنساكَ المُحامِي، والمُهَندِسُ، والطَّبِيبُ؟!*
مَنْ قالَ في مَرِّ اللَّيالِي مِنْ شَقا البُرَحا هُرُوبُ؟!

***

نَظْمِي… سَيَبقَى الذِّكْرُ مُؤْنِسُنا وَقَد دَكِنَ الغُرُوبُ
هُوَ في هَجِيْرِ العُمرِ فَيْءٌ هَزَّهُ النَّسَمُ الرَّطِيبُ
هُوَ دافِئُ الأَنفاسِ تَسرِي، بَعدَ أَن وَفَدَ المَشِيبُ
لَمَّا تَكَدَّسَتِ السِّنُونُ فَما هُيامٌ أَو نَسِيْبُ
أَو صُحْبَةٌ تَلتَفُّ حَوْلَ دِنانِها فَيَهُلُّ كُوْبُ
أَو نَضْرَةٌ فَوقَ الإِهابِ كَأَنَّها البُرْدُ القَشِيبُ
نَتَذَكَّرُ الأَيَّامَ، نَشْجُو، يَستَفِيقُ بِنا الوَجِيْبُ
فَالذِّكْرُ، عَن ماضِي الحَبِيبِ، وإِنْ شَجا، شَجْوٌ حَبِيبُ
وَالذِّكرَياتُ جِمارُنا آنَ الخَرِيفُ لَهُ هُبُوبُ!


***

 

(*) إِشارَةٌ إِلى أَولادِهِ الثَّلاثَةِ إِيلِي (الطَّبِيب) وآدِي (المُهَندِس) وأَلان (المُحامِي).

(Adipex)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *