قصيدة وتعليق

Views: 73

سمر الخوري

 

باقيين ولو رحنا

 

ونحنا … متل عمر الزنابق عمرنا

منحيا حياة الخوف عَ ضفاف الحياة

وحقد القدر لما بيطفي جمرنا

وجودنا بيفنى بموقدة الوجود

وخلودنا بيبقى بِ بال الذكريات

يوسف المسن

 

زنابق الشاعر وعشبة الخلود

البقاء والفناء فكرة راودت الإنسان منذ فجر الخلق، هاجس الخلود تعود جذوره إلى عهد آدم وحواء. وما المعصية الأولى إلا رغبة مباشرة في أن يصبح الإنسان خالدا مثل الله.

البقاء والرحيل هاجس الشاعر يوسف المسن، في قصيدته “باقيين ولو رحنا”. فكيف سيبقى الشاعر بعد رحيله؟ أيكون بقاؤه واقعيا أم افتراضيا، ومن باب نسج الخيال؟ أيكون البقاء بالجسد، أم بالروح؟

تعيدنا هذه الأسئلة إلى قصيدة لعازر، للشاعر اللبناني خليل حاوي. وفيها يعلن الشاعر هشاشة القيامة والانبعاث. فهل تتشابه القيامتان؟

يشبه الشاعر المسن حياة الإنسان بالزنابق. والزنابق من ميزاتها الطهارة والنقاء، والانبعاث، والتجدد، ما دامت البصيلات في التراب. فما بصيلات الإنسان؟ أتكون في أولاده والأحفاد؟

عمر الزنابق قصير. ولكن ميزته أنه عمر السلام. والسلام الداخلي هو الذي يمنح العمر لذة الحياة، وراحة الضمير، فيغدو الموت، على خطورته، خشبة للخلاص.

هو القلق الوجودي يقض حياة الشاعر الخائف من الموت، والاندثار، تماما كالزنابق في عمرها القصير، والخطر المحدق بها، وهي تنمو على ضفاف الحياة. خوف على الحياة، من الحياة، ومن مآسي القدر، وحقده. إنه الخوف على الذات من عالم تملأه الأحقاد، ويسيطر فيه الاستبداد. كيف يطفئ الحقد النار، وتفنى الحياة في وقيد الوجود؟ أتكون النار تأكل ذاتها إن لم تجد ما تأكله؟ وهل نتيجة الموت العدم؟

أسئلة برسم شاعر عرك الصراع مع القدر فقهره، وصارع الأمس فصرعه. وكانت النتيجة احتراق الأنا في بوتقة الوجود، ذاك الآخر الذي كبلته سلاسل القدر، وآهات الندم.

تحترق الأنا عندما يحمل الفجر  مصابيح الظلام.

تنسحب الأنا إلى قوقعة الضياع عندما تنكشف هشاشة الأمس، ملتحفة ضبابية الهنا، في الغد المرهص بالعدم.

ويومض فجر الخلود، في احتفالية الذكريات العجاف.هذه الذكريات التي يصفها الشاعر بأنها عصف ريح الخلود، في بيدر البقاء.

قلق الشاعر المسن ليس وليد الصدفة. إنه متجذر في لا وعيه إزاء قسوة القدر، وصدمة الخوف من فقدان الحب، بعدما شارف على عقده الثامن. وكما قال جبران خليل جبران: تموت الزهور ولكن البذور تبقى. ويبقى الإنسان في ذاكرة من يحب، عنوان أمل خافت يكاد يصيبه الاضمحلال.

أيها الشاعر المسكون بالقلق، خلود الإنسان لا يستمد نسغه من حنين الذكريات. خلوده في محبته والأعمال، وفي قدرته على شحذ إنسانيته بمسن الجمال والكمال. ولا كمال إلا في الإيمان.

خلود الإنسان في العطاء، لا في الأخذ والاستغلال. خلوده في جذوره المترسخة في تراب إنسانيته المصطفاة، وفي بذور محبته المشتهاة.

صدقت يا صديقي، لا خلود للإنسان. وهو لا محالة إلى رحيل. ولكن رحيله انتقال، لا فناء  كما الزنابق. وحين تموت الجذوع، وتتلاشى، في عبق الأمكنة، تنتظر الجذور مجيء الربيع، لتعلن انبعاثها من جديد، في بساتين الوجود.

“باقيين ولو رحنا” تحد يعلنه الشاعر، في شتاء العمر. ولكن شتاءه مكلل بالمطر، بثورة لا تني ولا تذر، وبالصمود.وموقدة الوجود نار تطهر الذات من أدران الحقد والعماء.

عمر الإنسان كعمر زنبقة الحقول، يحتاج إلى سر البقاء، إلى رجاء لا يخيب. وهذا الرجاء قد يكون في قصيدة عصماء، أو في شمعة تضيء مجاهل الظلماء.

أيها الشاعر اليوسفي، مبارك خلودك لأنك أتيت، ورأيت، وانتصرت. أتيت إلى عالم النور بعيدا من الظلال والأضواء. ورأيت الحب متجذرا في الدماء الصماء. وانتصرت على أنانية الموت بالإبداع. فكان يراعك خلودك والشراع.

وفي خاتمة المطاف، وجود وجود، وارتقاء بلا حدود، إلى عالم وعده زنابق الصفاء، والوفاء، وعشق الألم.

يوسف المسن، زنابق الخلود هي نبتة جلجامش. وقد سرقتها الحية الرقطاء أما زنابق حبك وإنسانيتك فلا تسرقها الحيات، ولا تطمسها ظلمات الحياة. (Valium)

 

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *