الفرح قرار

Views: 1018

سامي كليب

سألتني صديقة غالية: “ما هو تعريفُك للفرح”؟ فكّرتُ بأن اراجع بعضَ الكتب في مكتبتي لأستعيد نصوصا قرأتها وتعريفات أحببتها. فكرتُ كذلك بأن أدخل الى الانترنت لأقتبس عشرات التوصيفات والحكم الجميلة عن الفرح. لكني وبعد تجربة طويلة في هذه الحياة، بحُلوِها ومُرّها، بهدوئها وصَخبها، بسلامها وحروبها، وبحنانها وقسوتها، أدركتُ أن لا فرح مُطلقا في هذه الحياة. وأنّنا لسنا بحاجة لقراءة مجلدات لنفهم بأن ثمة لحظات جميلة في نهارنا تجعلنا أكثر سعادة وفرحا. أيقنتُ كذلك بأن المفتاح الاول لهذا الفرح، هو أن يكون قلبك مُستعدّا له، فثمة قلوب يطوف الفرح حولها، ولا يدخلها لأنها مُصفّحة بالحقد أو اليأس أو الحسد.

من لحظات الفرح مثلا:

  • أن يأتيك اتصال صباحي من شخصٍ تُحب أن تسمع صوته.
  • أن تتسلل الشمسُ الى سريرك تلامس وجهك وتدعوك لاستقبل النهار.
  • أن تشرب قهوتك على شرفة بيتك او في مقهى، وأنت ممتنٌّ لله أنه وهبك الصحة والقدرة على الفرح.
  • أن تسيرَ صباحا قرب البحر وتتأمل جمال الخلق وصنيع خالقه.
  • أن تساعد محتاجا من قلبك وليس على سبيل الخلاص من توسّله اليك.
  • أن تنجح في مشروع بدأت العمل عليه.
  • أن تقرأ كتابا جميلا وغنيا ينقلك الى عالم أجمل.
  • أن تسير في الجبال أو في غابة بين الأشجار الغناء، وتسمع خرير النهر وزقزقة العصافير.
  • أن تلتقي بأصدقاء حقيقيّين في زمن عزّت فيه الصداقة الصافية، وتتحاور معهم وتضحك.

هذه أمثلة بسيطة في يوم عادي. هي لحظات عابرة في حياة عابرة. وثمة فارق كبير بين هذا الفرح العابر، وبين طمأنينة الروح. فهذه قد تأتي من صلاة عميقة، ومن تواصل روحي مع الرب، وقد تأتي من النزوع صوب الصوفية والنسك واعتزال المجتمع. في هذه الحال نحن نبحث عن الفرح السرمدي المُطلق، ونادرون فقط من بني البشر يصلون فعلا اليه، لأنّ صلاة الكثيرين من هؤلاء البشر تقف عند القشور بفعل الواجب أكثر مما تنطلق من التواصل الروحي الصادق والشفاف والمجرد.

لقد علّمتني الحياة، ان الفرح قرار مهما اشتعلت النيران من حولنا، ومهما تفاقمت المصاعب. وعلّمتني أن التعلق بشخصٍ أو بشيء ومحورةِ حياتنا حوله، يشلُّ قدرتنا على الفرح في حال فقدناه، فخير الحب هو ان تعطي دون أن تفكّر بما ستربح في المقابل.

علّمتني الحياة كذلك أنّ الزّهد بالمادّة والمجد والشّهرة والمال والمناصب، تجعلك تتخلّص من أعباء كثيرة صنعها الانسان وصار عبدًا لها. كلُّ شيء عابرٌ في يومنا العابر الا الضمير، فهو السّاهر الفعلي على افعالنا، وهو الحكم على مسارنا في هذه الحياة، كلّما اقتربنا منه كبُر الفرح في قلوبنا. وكلّما نأينا عنه، احتلّتِ المادّة والحسد والحقد مكان الفرح.

الفرح قرار، وهو يكمن في أشيائنا البسيطة في يومنا العادي. ومن يقرّر أن يكون يومه سعيدا، سوف يكون. لا تبحثوا عن الفرح المطلق، فهو غير موجود، تمتعوا بلحظات الفرح كلّما وُجدت. 

***

 (*) تأمّلات من على شرفة الدّهر.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *