“شعبٌ قانون وقضاء”

Views: 1058

القاضي سهيل نديم عبود

(رئيس مجلس القضاء الأعلى)

السيدة رئيسةْ معهدِ الدروسِ القضائية القاضية ندى دكروب،

الزميلاتُ والزملاء، السيداتُ والسادة، أيها القضاة المتخرجون، ها أنتم بعد سنواتٍ ثلاثٍ، تتخرجونَ من معهدٍ، وتَدخُلون مِحرابَ القضاء،

فتودّعونَ مرحلةً، وتلتزمونَ قضيةً. وها أنتم تطوونَ صفحاتِ جُهدٍ وعَمَلٍ، وتفتحونَ كتابَ مثابرةٍ وعطاء، وتنظرون الى آفاقٍ وأُمنياتْ،

لتحلوَ معكم البدايات، وتَهونَ التحدِّيات.

وبعدْ، أيها القضاةُ المتخرِجون، اِنّ القضاءَ ليسَ بأفضلِ أحوالِه،

 فثقةُ المواطنِ به مهزوزةٌ، واستقلاليةُ السلطةِ القضائيةِ، موضوعُ مطالباتٍ وتطلعات، وسُرعةُ التقاضي غيرُ مؤمنةٍ في أحيانٍ كثيرةٍ،

وطُمَأنينةُ القاضي، وآمانُه مَثارُ هواجسَ وتساؤلات، من هنا، فإن الجوابَ على هذه التحدياتْ يكون:

في ممارسةِ استقلاليةٍ نُريدها حقيقيةً، وفي استعادةِ ثِقةٍ نَودُها ثابتةً،

وفي سُرعةِ تقاضٍ تنبذُ تسرّعاً، وفي طُمأنينةِ قاضٍ الى يومِه وغدِه، وهنا أودُّ أن أذكّرَكم بثُلاثيةٍ أردتُها جامعةً معبّرةً هي: “شعبٌ قانون وقضاء”. فالشعبُ مصدرُ السلطاتِ يريدُ قضاءً يحكمُ باسمِه وباسمِ القانونِ والحقِّ، فلنستجِبْ لنِدائِه، ولحناجرَ بُحّت بمُطالبات محقّةٍ، تنتظرُ من يتمّمُ واجباتٍ وموجبات دونَ خِشيةٍ من عواقبَ أو تدخُلات.

لكن بالمقابل، يجبْ أن تبقى حريةُ القاضي في اتخاذِ قراراتِهِ مصونة،ً بمعزِلٍ عن أيّ ضغوطاتٍ حتّى ولو شعبيّة، أو تدخّلاتٍ حتى ولو جماعيّة.

وفي السياقِ ذاتِه، فإنني ألتزمُ أمامَكُم وأمامَ المواطنِ والوطنْ، باسمِ مجلسِ القضاء الأعلى، بأن التشكيلاتِ القضائيةَ الجديدة، ستعتمدُ معاييرَ موضوعيةً أساسُها، مناقبيةٌ وكفاءةٌ وانتاجيةْ، وذلك بعيداً وابتعاداً من أي تدخلات من أية جهة أتت، أما أنتم، فانّ تراتُبِيَتَكُم في المعهدِ، هي التي ستوفّرُ هذه المعايير.

أما التنقيةُ الذاتية فقد بدأت، بإصدار الهيئة القضائية العليا للتأديب قراراً بصرف أحد القضاة من الخدمة، وهي ستُتابعُ وصولاً وتوصلاً الى جِسمٍ قضائيٍ نقيٍ ومُنزّه.

أيها القُضاة المتخرجون، ها انَّ ساعةَ العملْ والتحدّي قد حانْت، فغوصوا عِلماً، ولا تَغرقَوا تأويلاً أو تفسيراً، واجِهوا ظُلماً، ولا تنسواْ متظلماً، تَسلّقوا طُموحاً، ولا تتسلّلوا استزلاماً، استحقوا منصِباً، ولا تستجدوا حُظوةً، تواضعوا ولا تتكبروا تيهاً، ولا تخضعوا ولا تخضعوا، إلا لصوتِ الضمير، الذي يبقى رفيقكَم الدائم والوحيد.

وليكن يومُ قسمِكم يومَ التزامٍ أمام الشعبِ والضمير والحق، بأن شرعيةَ تعيينِكم ستُكَرَّسُ بمشروعيةٍ أساسُها ثقةُ المواطنِ والمتقاضي بأدائِكم، وبأحكامِكم العادلة.

الى ذلك كلِّه أدعوكم، أنا المنشغلُ بِكم، لا عَنكم، فيتغيّرُ بعضُ أسماءٍ أو تسمياتٍ أو مناصبَ أو مواقعَ، لتبقى الاصالةُ هي الأساس.

أختُمُ بما دعوناكم دائماً اليه،

كونوا قضاةً وقضاةً فقط.

عِشتُم،

عاش القضاءُ المستقلّ،

عاشَ لبنان.

بيروت في 11/ 12/ 2019

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *