رأي وتعليق

Views: 637

سمر الخوري

ثمّة نساء يلامسن لواعج الروح ، يعبرن حياتك كجملة موسيقيّة

جميلة ، يظلّ القلب يدندنها لسنوات بعد فراقهن . وأخريات بدون قفلة ، لا تدري وهن يغادرن ، إن كان من تتمّة لتلك السوناتا .

” الأسود يليق بكِ “

احلام مستغانمي

 

امرأة مستغانمي بين السوناتا والكانتاتا

المرأة ذاك الكائن الجميل، روح هذا العالم، سنفونية موسيقية باح بها الوتر.

المرأة امرأتان ، كما تعلن الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي، في روايتها الأسود يليق بك. امرأة تلامس لواعج الروح، تخترق حجب اللحن الأثيري، إلى لباب الفكر والعقل والضمير. امرأة تعبر حياة الرجل كجملة موسيقية. والموسيقى فن ارتشاف عبير الآلهة، في الهرم الفرعوني المرصود.

جملة موسيقية. والموسيقى لغة الشعوب، في مسارها الحضاري العالمي. بل إنها لغة الأكوان تصدح بين الأفلاك لتخلق مجرة لا متناهية الذرات.

المرأة جملة. ولعلّها  من فعل الكينونة الذي نطق به الإله: كن . فكان الوجود في ستة أيام. جملة ابتدائية هي البداية والنهاية، الألف والياء، يرقى بها الأحياء.

المرأة كجملة موسيقية. والتشبيه غير بليغ، في جرح بليغ. جرح إبداع هو نسقي به الشعر فيُضاء  بالآلاء.

المرأة الأولى لحنها خالِد، ندندن به على مر العصور. لحن كوخ هو في القصور. للموت جالِد، في عزفه المنصور. امرأة يبقى لحنها، عطرها، بعد الفراق.

ولكن ..ما سر هذا الصمود? ألعلّ هذه المرأة استحوذت على عشبة الخلود؟ ألعلها انتصرت على أفعى الجِنان؟ ما سرّ بقاء هذا اللحن الحنان؟

هي المرأة التي بها يليق الأسود، عنوان الرواية. سحرها الغواية، لا بهرجة الألوان.

أسود اللباس، أم الشعر، أم الليل هو، يفيض به عطر  الزمان.

الأسود يليق بها امرأة المطر. في سوادها الخطر، ورعشة الأسنان. خالدة هي خلود النغم،  في لحنها النِّعم، وزرقة القمر الوسنان.

وامرأة ثانية، من الأخريات النكرات. في لحنها الضياع. يموت دونها اليراع، تنتحر القافية. إنها المرأة المجافية، فانية كما الأزهار، غانية كما الأنهار. كأنها السراب، واللا وجود. يموت في قلبها الجود، وتذبل الأفنان.

هي المرأة الحضور الغياب. لا رحيل يغنيها ولا إياب. سوناتا مهملة كالمعاني في نظرية الجاحظ، مطروحة على الطريق. لا رعشة في حبها، لرفيق أو صديق.

قصيدة هي بلا موسيقى، ولا خيال أو عاطفة. ليست النسيم ولم تكن يوما بعاصفة.

إنها السوناتا المعزوفة الموسيقى، بلا روح. عزفها بعيد من الجروح. هي السوناتا، وليست الكنتاتا، هينمة البشر. يليق بها سواد القلب والشر.

سوناتا بلا تتمة، أو حواش. تظنها الصُدفة، تحضنها الصَدفة، قوقعة النسيان.

الأسود يليق بك…هو العنوان. والسواد والبياض فيه صنوان، خطان متوازيان قد يلتقيان. يلتقيان في مقولة الشاعر:

والضد يظهر حسنه الضد

فكيف تأتلف الأضداد وتختلف؟ وكيف يزهر في اللون زهر عنفوان، وقهر أفعوان؟

المرأة الأولى هي التي قال فيها جبران خليل جبران: الأزهار تفنى ولكن البذور تبقى وذا كنه الوجود.

أما المرأة الثانية، الفانية، فهي عطر مضاع، زبد على شاطئ بعيد. ينمو فيه الموت، في ظلمة الوعيد.

امرأة مستغانمي كانتاتا مكتملة الرسالة. في بوحها نَغَم، في حبها نَعَم، وفي شجونها شؤون. يشرق في قلبها النقاء والبقاء والخفر.

أما امرأة السوناتا التي بلا قفلة، سطحية الحضور والغياب، فهي تائهة كالموج في العباب، بلا جذور، عشقها السفر.

أيتها الأحلام المتشحة بالسواد، السوناتا والكانتاتا وجهان لعملة واحدة، اسمها المرأة. المرأة في جزرها والمد. امرأة لا تقف عند حد. شعارها العطاء بلا حدود. هي الموسيقى /الحياة بلا سدود. تتمتها الرجل السنبلة لا الزؤان أو الشوفان . وليكن بعد عزف نوتاتها الطوفان.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *