الصورة الفنيّة وقيمتها الدلاليّة في شعر نعيم تلحوق*

Views: 896

  أ. نسرين الرجب

 يرتبط البحث عن الصورة الفنيّة وقيمتها الدلالية في الشعر الحديث، بالبحث عن المعنى والدلالات المرجعيّة التي تسعى إلى بلورة مفهومها، ولقد تناول عددٌ من الدارسين هذا الموضوع، لما لهُ من أهميّة، لأن الصورة الفنيّة  في الشعر الحديث هي الأساس.

 يأتي  شعر “نعيم تلحوق” نموذجًا للشعر الحديث المشحون بالصُّور الفنيّة، التي تتشكل من عدة محاور، عكست تجربة الشاعر الفنيّة والروحيّة ، فعالم الصورة الفنيّة عند تلحوق يزخر بمغريات البحث، هو شاعر الفكرة وصاحب رؤيا، قضيته الإنسان، والصورة عنده ليست الشكل والهيئة الفنيّة للفكرة أو الثيمة فقط، بل هي عالم موسيقي تؤدي الحروف فيه والتفعيلات والجمل المتوازِنة  دورًا إيقاعيا بالغ الأهميّة.

قمت بإعداد رسالة الماستر في اللغة العربية وآدابها، عن الصورة الفنية وقيمتها الدلالية في شعر نعيم تلحوق من خلال ديوانية “قيامة العدم وشهوة القيامة” ،وقد أكرمتني الأستاذة الدكتورة مها خير بك بالإشراف على هذا البحث  تصحيحًا وتوجيهًا، وذلك لما وجدت في شعره من غزارة تصويريّة وقدرة على إزاحة الأفكار الملموسة عن مباشريتها، كان الهدف من الدراسة هو الكشف عن القيَم الدلاليّة للصور الفنيّة عند الشاعر نعيم تلحوق كونه من الشعراء المعاصرين  الحداثيين، اعتمدت في الدراسة على ديوانين، أولهما ديوانه الأوّل “قيامة العدم”، وثانيهما ديوانه الحادي عشر “شهوة القيامة”، لفتتني الصلة التي تربط بين الديوانين، على ما بينهما من مرحلة زمنية فاصلة ودواوين عدّة. وفي محاولة لرصد التطّوُر الذي طرأ على تركيبة الصُوَر الفنيّة عند الشاعر، حيث الديوان الأوّل  يُمثّل الفاتحة الشعريّة في حياة الشاعر “نعيم تلحوق”، وقد صدر في طبعته الأولى عام 1986، وهو يضُم لوحتين في كل منهما عدّة قصائد، هي: ( عذابات تشهد فكرة الاحتضار، نجمة لا تعي حدود المسافة)، ويعكس مضمون هذا الديوان حالة التخبُط السياسي المعبّأ بالخيبات، من نكسةٍ ونكبةٍ وحربٍ أهليّة، و كذلك يُسطّر ملاحم المقاومين صُنّاع الحياة، ويقدح ويذمُّ المتواطئين، ويُكسّر قوالب اللغة تمرُدًا، أمّا ديوان ” شهوة القيامة” الصادر عام 2013، فيضم ثلاث لوحات تحتوي كل منها على عدّة قصائد، هي: (سقوط الشهوة قبل التداعيات، احتمال الخروج من الأمكنة، رقص على عرش الكلام) وهذا الديوان يعكس تجربة مغايِرة، إذ تبرُز الذات قضيةً خاصة تحمل في طيّاتها موقفًا من الكون والحياة.

خلال مناقشة الأطروحة

 

 قامت الدراسة على مقدمةٍ و فصليْن، تضمّن كُل فصل مقدمة ومبحثين بالإضافة إلى عناوين فرعيّة وحاصل الفصل. عنوان الفصل الأوّل “تجليّات الصورة الفنيّة، وسماتها وتمظهراتها الدلاليّة في الشعر الحديث”، وتضمن مبحثين قوامهما تعريفات الصورة الشعريّة، و النظريات النقديّة التي تناولتها، و العناصر المُكوّنة للبنية التركيبيّة  للصورة في الشعر الحديث، أمّا الفصل الثاني فهو فصل تطبيقي عنوانه: “مقومات الصورة الفنيّة ، ومعالمها الدلاليّة في ديواني (قيامة العدم و شهوة القيامة) لنعيم تلحوق”، وتناول البُنية التركيبيّة للصورة الفنيّة وتشكلاتها الدلاليّة في ديوانيه: قيامة العدم، وشهوة القيامة، والرؤيا الفنيّة للعالم في ديوانيه، من خلال موضوعات الصورة الفنيّة، والانزياحات الدلاليّة، وترجمة التناص الشعري في الديوانين. وخاتمة عامة تختزل نتائج البحث.

ارتكزت قراءة الديوانين  حول مدى تمكّن الشعر الحديث بعامة، وشعر تلحوق بخاصة، من تحقيق مُقوّمات الصورة الفنيّة التي وضعها المُنظرون والنُقاد في تاريخ الأدب قديمًا وحديثُا، إضافة إلى البحث عن القيَم الدلاليّة  للصورة الفنيّة في الديوانيْن، وتبيان سِماتها. و المنهج الذي اعتمدته في البحث هو المنهج السيميائي لأن هذه الدراسة تحتاج إلى توظيف أدوات المنهج السيميائي التحليلية والتوصيفية. 

   ظهر العالم في رؤية نعيم تلحوق كثيفًا بالصور والدلالات، وبدت الصورة في حداثتها غير مألوفة على الرغم من أنها مأخوذة من الواقع، وهنا ظهرت قدرة الشاعر الإبتكارية، فهو أعطى الصورة أبعادا ودلالات ومنحها قيما تفوق حصرية المشهد، فابتعد بها عن الزخرفة اللفظيّة، و منحها كثافةً فكريّة، وعمقًا فنيًّا ونفسيًّا، وهذا ما يتوافق مع المقومات الدلاليّة للصورة الفنيّة في الشعر الحديث.

غلاف الأطروحة

  

طوّر تلحوق أدواته اللغويّة، فأتت الصورة في ديوان “قيامة العدم” مُحمّلة بعبء التغيير، ثوريّة ومتفجّرة الدلالة، كثّف الشاعر انزياحاته اللغويّة وابتكر الصورة على مثال مشهديّة النضال الوطني والسخرية من الخذلان العربي. بينما تحرّرت الصورة في ديوان “شهوة القيامة” من ثقل الحرب والهم الوطني، وراحت تبحث عن خلاص نفسي وروحي، ولقد عالج من خلالها الشاعر قضيّة الاغتراب النفسي في ظل الحضارة الغربيّة، والاغتراب الروحي في عالم الماديّة، وقد تميّزت الصورة برومانسيّة حالمة غنيّة بالإشارات، وزخرت بمصطلحات الحب والصوفيّة  .

 وفي الختام، أرجو أن أكون قد وَفيْت هذا الموضوع  حقّه من البحث والتحليل، وما للكمال إلّا لله .

***

* رسالة  أُعدّت لنيل شهادة الماستر في اللُّغة العربيَّة وآدابها، بعنوان: “الصورة الفنيّة وقيمتها الدلاليّة في الشعر الحديث (ديوانا: قيامةُ العدم، وشهوة القيامة، للشاعر نعيم تلحوق، أُنموذجيْن)”، إعداد الطالبة نسرين جعفر الرجب، إشراف الأستاذة الدكتورة مها خير بك، الجامعة اللبنانيّة كليّة الآداب و العلوم الإنسانيّة- قسم الّلُّغة العربية، العمادة، بيروت-لبنان، العام الدراسي:2015- 2016.   

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *