“الرؤى إلى العالم وجماليتها في شعر نعيم تلحوق” (السلسلة الثانية)

Views: 1357

 “الرؤى إلى العالم وجماليتها في شعر نعيم تلحوق (السلسلة الثانية)” عنوان رسالة أعدّت لنيل شهادة الماستر في اللغة العربية وآدابها إعداد : الطالب أحمد قاسم سويدان، إشراف الدكتور : عبد المجيد زراقط، عضوا اللجنة: الدكتور نبيل الخطيب   والدكتور إميل يعقوب. في ما يلي ملخص الرسالة.

أ .  أحمد سويدان

نبحثُ، في هذه الدراسةِ، في السلسلة الشعرية الثانية للشاعر نعيم تلحوق، وهي خمس مجموعات شعريةٍ  (أظنّه وحدي، يغنّي بوحاً، يرقص كفراً، لأن جسدها، شهوة القيامة) فنتبيّن في هذه السلسلةِ الخصائصَ التي يتميّز بها شعرُ نعيم تلحوق، معتمدين دراسةَ نماذج من شعره من نحوٍ أولٍ، ودارسة رؤى الشاعر إلى العالمِ وقضاياه الرئيسة من نحوٍ ثانٍ، ثُمّ نخلصُ إلى خلاصةٍ واستنتاجاتٍ من نحوٍ ثالث.

محاولة البحث هذه، تأتي في ظلّ الجدل الواسع والحادّ الّذي أثاره الشعر العربي الحديث بين النّقّاد، وخصوصاً لجهة ما يحمله من غموضٍ ودائرة احتمالاتٍ واسعةٍ، وانقسام النّقّاد حيال الأمر بين من اعتمد الأدب وسيلةً من وسائل الإتّصال بين الناس كاللغة، وتالياً فإن وسائل الإتّصال لا تحتمل الغموض، وبين من دافع باسم الحداثة عن الغموض في الشعر كونه يستثير خيال القارئ، ويضْفي على القصيدة ميزة الديمومة والتجدّد مع كل قراءة.

وفي ضوء ما تتميّز به التجربة الشعرية  للشاعر “نعيم تلحوق” من تحليقٍ على صهوة الرّمز في سماء الحكمة والفلسفة، وما تشكّله قصائده أمامنا من أسئلةٍ ملحّة عن الوجود والحياة وحقيقة الكون، حاولنا من خلال هذه الدراسة تسليط الضوء على المزايا الخاصَة بشعر نعيم تلحوق، مع ما يحمله من غموضٍ و تكثيفٍ دلاليٍ واقتصادٍ لغوي.

المشرف د عبد المجيد زراقط والدكتور نبيل الخطيب والدكتور أميل يعقوب والطالب أحمد سويدان

 

وتتمثل الإشكالية في قضيتين رئيسيتين :

أولاهما “جماليةُ الشّعرِ من مختلف المستويات ( البنية الكلية، المعجم اللغوي، التركيبي، المجازي، الإيقاعي، الدلالي).

وثانيتهما “رؤى الشاعر إلى العالم”.

محاولين تقديم معرفةٍ موضوعيةٍ بهاتين القضيتين الرئيسيتين، وخصوصاً أن الشاعر يكتب قصيدة النّثر، وتبيّنَ خصائص هذا النوعِ من الشّعرِ الحديث، وتقديم إسهامٍ في إغناءِ تجربةِ النّقد الأدبي العربي.

وتعود أهمية موضوع الدراسة إلى عدة عوامل:

أوّلها، أنّ الشاعر نعيم تلحوق يقدّم لغةً شعريةً جديدةً متفرّدةً، ويحملُ هويةً خاصةً تتميّز بالجدّة والإبداع، فهي تنهل من معين الفلسفة والحكمة، وتلامس حدود التصوّف، لتُلقي الضوء على القضايا الكبرى بلغةٍ شعريّةٍ بلاغيّةٍ غنيّةٍ بالرّموز والصّور .

ثانيها، يتجلّى في ما يقدمه البحث في لغة الشاعر نعيم تلحوق من إضافةٍ إلى المكتبة الشّعرية والنقدية يسهم في إغنائها .

ثالثها، يحمل بُعْداً وطنياً، يتمثّل بالإسهام في الإضاءة على مكانة الشعراء اللبنانيين في فضاء الأدب العالمي المعاصر، خصوصاً إذا عرفنا أنَ الديوان الثاني “يغني بوحاً” الصادر عام 2005 قد تمت ترجمته بالألمانية وهو أول عمل لبناني يترجم كمجموعة شعرية – لا كقصائد – بالألمانية لدراستها من قبل جامعة “بون” ومعهد الدراسات الشرقية والآسيوية، وترجمة ديوان “شهوة القيامة” بالألمانية، وترجمة قصائد من شعر نعيم تلحوق بالاسبانية والبلغارية، لذا كان من الأولى أن نكون، نحن الطلاب اللبنانيين، السّبّاقين إلى دراسة هذه التجربة والإضاءة عليها قبل غيرنا.

وقد اعتمدنا في القضية الأولى، وهي “جمالية الشعر”، المنهج البنيوي الأسلوبي، الذي ينطلق من دراسة البنية النّصّية لنماذج شعرية من نحو أول، وسيمياء الرموز فيها ودلالاتها من نحوٍ ثانٍ، أما المنهج المناسب للقضية الثانية وهي:”الرؤى إلى العالم” فهو تأويلي من نحوٍ أولٍ، وموضوعاتي من نحوٍ ثانٍ، إذ ينبغي أن نتبيّن الدلالات من طريق التأويل، بعد أن نكون قد قمنا بالوصف، ثم نعمد إلى بلورة القضايا الرئيسة مستعينين بالمنهج الموضوعاتي.

أما الخاتمة التي تضمنت خلاصة واستنتاجات فاعتمدنا فيها المنهج الوصفي التحليلي – التركيبي.

 وهكذا فقد اعتمدنا منهجاً مركّباً، يعتمد في دراسة كل قضية، المنهج الذي يلائمها.

وبغية تحقيق الهدف المحدّد لهذه الدراسة ، قسّمنا الرسالة إلى عدة عناوين، وفق المخطط الآتي :

المقدمة .

مدخل .

التعريف بالشاعر وشعره .

الفصل الأول ( جمالية الرؤية ) :

– مقدمة الفصل .

– دراسة خمس نماذج مختارة على المستويات الآتية : البنية الكلية ، الإيقاعي، النحوي-التركيبي ، المجازي  .

– خلاصة الفصل .

الفصل الثاني ( الرؤى ) :

مقدمة الفصل .

رؤى الشاعر إلى القضايا الرئيسية التي رأى إليها في قصائده  .

الشعر .

 الحرية .

الوطن .

الصوفية .

ﻫ – الدين .

و- الأنثى .

الموت .

مدن و أماكن .

خلاصة الفصل .

خاتمة البحث .

إستعنتُ في تبيّن رؤى الشاعر لمختلف القضايا، بعددٍ من مصادر النقد الأدبي، وخصوصاً المعاصرة منها، بهدف مقارنة هذه الرؤى، مع آراء النقاد المعاصرين، والحصول على صورة أوضح وأشمل لمختلف القضايا و العناوين، ولهذه الغاية، استعنت بعددٍ من المصادر الأساسية على هذا الصعيد، وأبرزها:

كتاب اتجاهات الشعر العربي المعاصر للأديب والناقد إحسان عباس، وكتاب الصوفية والسوريالية للأديب والناقد أدونيس، وكتاب الإبهام في شعر الحداثة للكاتب عبد الرحمان محمد القعود، وكتاب قضايا الشعر المعاصر للأديبة والناقدة نازك الملائكة.

بالإضافة لهذه الكتب، إستفدت من كتب أدونيس (الثابت والمتحول / الشعرية العربية/ سياسة الشعر/ مقدمة للشعر العربي)، وكتاب “الشعر العربي المعاصر” لإسماعيل عز الدين، و”النقد الأدبي الحديث” لمحمد غنيمي هلال، و”إشارات على الطريق” لبلند الحيدري، و”اللغة العليا” لأحمد المعتوق، وغيرها من المصادر، لتقديم شواهد نقدية، أسهمت في تبيّن رؤى الشاعر وإغناء البحث.

إستفدت أيضاً من مصدرين معرّبَين، هما: كتاب روبرت شولز بعنوان “السيمياء والتأويل”، وكتاب أمبرتو إيكو بعنوان “السيميائية وفلسفة اللغة”، وذلك بهدف تحصيل تعريفات تختص بمبادئ الكتابة الرمزية السيميائية، والوصول إلى مقاربة أعمق للدلالات والمعاني، عبر القراءة السيمائية الصحيحة للنصوص.

 

أسلوب الدراسة واستنتاجات عامة :

عمدنا إلى دراسة نماذج مختارة من قصائد الشاعر، على مستويات ( البنية الكلية، الإيقاعي، النحوي-التركيبي، المجازي)، وقد حرصنا خلال اختيار النماذج على أن تشمل مختلف المواضيع التي تناولها الشاعر، حيث تم اختيار قصيدة من كل ديوان، لدراستها دراسة أسلوبية، وقد توصلت هذه الدراسة إلى جملة من الخصائص، تم تركيزها في خاتمة الفصل، فتميّزت قصائده بالشّكل المتحرّر من الأوزان والقافية، مع الحفاظ على إيقاعٍ داخليٍ خاص، ينبع من حروفها ومعانيها، كما تتميز قصائده بوفرة التشابيه والاستعارات، التي تتداخل لتخلق صوراً مركبة، بالإضافة إلى استخدام التناص من نصوص القرآن والإنجيل وأشعار الحلاج، فطغت اللغة الرمزية الصوفية والوجدانية التي يسعى الشاعر في ذروتها إلى الوصول مجازياً للإتّحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية، مع استخدام الثنائيات التي تضفي على القصائد نغمة موسيقية خاصة، وخصوصاً فيما يتعلق بالثنائية الحاكمة ” ال هُوَ وال هِيَ ” ،و التي تمثل إقامة جدلية حوارية بين المذكر والمؤنث، المنطلق من أنا الشاعر إلى الأنثى بكل صورها ، بالإضافة إلى استخدام الأسماء ذات الدلالات التاريخية والثقافية، والتي تشكل أقنعة تسلل من ورائها الشاعر لإيصال رسائل رؤاه الشعرية إلى القارئ.

قمنا في الفصل الثاني بتبيُّن رؤى الشاعر نحو القضايا الرئيسية في قصائده، وأولى هذه القضايا كانت رؤيته للشعر، الذي بدا في رؤيته، لغة اللاوعي المتحرر، وعنصراً حياتياً خامساً لا يقل أهمية في وجود الإنسان وبقاء قيمه، عن الماء والهواء والنار والتراب، لأنه في رأيه باب المعرفة والحكمة المشرّع للباحثين عن المعرفة وطرح الإشكالات الفلسفية من دون قيود، وان الغموض في الشعر يحافظ على هالة القداسة التي يجب أن تتميز بها حروفه، والتي  تمنح النص الديمومة والتجدد والبقاء  .

تبين لنا أن حرية التعبير في رؤية الشاعر تشكّل الرّئة التي يتنفس عبرها الشاعر والأديب، والمقياس الأساسي في فرز الشعر عن غيره من أنواع الرّغاء، وأن الحرية في التعبير عن كوامن النفس، هي التي تخلق الرؤية المكتملة، وأن القيود الإجتماعية والثقافية الموروثة تجعل من الرؤية مخلوقاً مشوهاً عاجزاً عن الفعل والتفاعل، لذا وجب برأيه على الباحث عن الحقيقة أن يقدم في سبيلها ما استطاع لتبقى المشعل الذي ينير درب الباحثين عبر العصور .

تبيّن لنا أيضاَ أن الوطن في رؤية الشاعر لا تقيّده الحدود الجغرافية المصطنعة، فحملت قصائده هموم الوطن العربي ومشاكله وقضايا شعوبه، بكل أبعادها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والفكرية الثقافية ، كما تقمّصت سطورها روح الثورة والأمل بغدٍ أفضل.

تشكّل الصوفية في رؤية الشاعر، سعي الإنسان الدائم لمعرفة الأسرار اللاهوتية، في سبيل الوصول لفهم أسرار الخلق، فهي بحثٌ دائم عن الحقيقة والمعرفة، بأسلوب عفوي مبسّط قائم على الشفافية المطلقة، وعدم التعقيد وتنميق الألفاظ، وأن الدّين في رؤيته إيمان بالفطرة لا التزام وتزمت بالنصوص، مع نظرته المتساوية في الاحترام للأديان السماوية، وأن الدّين ليس حكراً على الدعاة، الذين يصرفونه كيفما شاءت أهواءهم ومصالحهم، وأن رجل الدّين الحقيقي هو الذي يسعى لكسر الحواجز بين الإنسان ومعبوده.

تبيّن لنا أيضاً، أن للشاعر نعيم تلحوق رؤيته الخاصة تجاه الأنثى، وأن خطابه الموجه ﻟﻟ” هِيَ “، يشمل كل ما هو مؤنث في الوجود، من المرأة والطبيعة والأرض والحقيقة واللغة وغيرها من المفاهيم الأنثوية على امتداد الكون.

يشكّل موت الإنسان في رؤية الشاعر بوابة الخلاص من التعب والشقاء، لأنه في رأيه خلْعٌ لرداء الجسد الرخيص، وتحليق في فضاء الروح، من دون قيود المادة، بعيداً عن الصورة السوداء التي رسمتها النصوص الدينية عن الموت، على قاعدة أن الإنسان عدو ما يجهل، منتقداً الطقوس التي تقام على الجثث بعد الموت ، والتي تشكل في رأيه عهداً جديداً من القيود المادية التي هرب منها الإنسان.

تبيّن لنا أن الأماكن التي ذكرها الشاعر في سلسلته الثانية، تنسجم مع رؤاه السابقة القائمة على التحرر من القيود المكانية والزّمانية، فسجّل إعجابه بمدنٍ أوروبية ألمانية، و عبّر عن حزنه تجاه بغداد وفلسطين و واقع المرأة العربية والواقع العربي  العام.

يمكن القول: إستطاع النص الشعري للشاعر نعيم تلحوق إثبات حضوره وتفرده، رغم الإبهام الذي يتميز به، واللغة الصّوفية الفلسفية التي تطغى عليه، فحققت قصائده طاقة عالية من الشعرية تميزت بالتكثيف الدلالي والإقتصاد في بناء القصيدة، مع حسن التعبير ودقة السبك وروعة الأداء.

كما أن للشاعر نعيم تلحوق عالمه الشّعري الخاص، الذي لا تستطيع إلا أن تقف أمامه في ذهولٍ، وأن تتنقل بين حروفه بتمهل، لما منحها من رهبةٍ وجمالٍ، فنحتها بتأنٍ ودقةٍ، ورسم لوحاتها بشفافية مرهفةٍ، تفرض على قارئها  التّمعن والتفكّر والبحث عن المعرفة.

نستطيع القول: أننا قدّمنا في هذه الدراسة صورة عن شعر نعيم تلحوق ورؤاه، التي يمكن للقارئ اكتناه طبيعتها ولغتها والوقوف عند معانيها، من خلال العمل على تكوين ثقافة شعرية معاصرة، تنهل من معين المعارف المنتشرة في عصرنا الراهن، والتي فرضت على الشاعر أن يعبّر عنها بصدق ويصبغها بأسلوبه، فجاءت لغته متطابقة مع تجربته الشخصية ومعاناته الذاتية واتساع فضائه المعرفي، وقد حاولنا في هذه الدراسة إثبات هذا الرأي، وتبيان جوانب من هذه اللغة الشعرية الحديثة، التي تنضح بجملةٍ من المعارف والرؤى، عسى أن تسهم هذه الدراسة في إلقاء الضوء على تجربة شعرية لبنانية متفرّدة، ما تزال بعيدةً عن الاهتمام النقدي، كما لا لم تلقَ جوانبها الفنيّة والرؤيوية حقّها الوافي من الإستقراء والتعمّق، على أمل أن تكون هذه الدراسة فاتحةً لدراسات أكثر توسعاً وتنوعاً في نصوص الشاعر نعيم تلحوق وأسلوبه الراقي المترع بالجمال والخيال والحكمة والفلسفة والمعرفة، والغني بالصور والدلالات.                                                                                                   

خاتمة البحث:

موضوع هذه الرسالة هو : الرؤية إلى العالم وجماليتها في شعر نعيم تلحوق (السلسلة الثانية ) ، وقد تم البحث فيها في فصلين اثنين .

بعد المقدمة والمدخل، قمنا بالتعريف بالشاعر وشعره، فعرضنا لسيرة حياة الشاعر، منذ ولادته في قريته عيتات، مروراً بدراسته، ومسيرة حياته الثقافية الأدبية، والإصدارات الشعرية والأدبية التي صدرت له حتى اليوم، ثم بيّنا أهمية شعره على مستوى الجدة والإبداع، وعلى الدراسات التي تناولت شعره، والصدى الذي تلاقيه قصائد الشاعر في الجامعات الألمانية، ثم عرضنا للإشكالية التي يطرحها الغموض والإبهام ودخول الصوفية في الشعر الحديث، وأثرها على مستوى التواصل المطلوب بين الأديب والقارئ، مستشهدين بعدد من آراء النقاد المعاصرين في هذه القضية.

–    ثم عمدنا إلى دراسة نماذج مختارة من قصائد الشاعر، على مستويات ( البنية الكلية، الإيقاعي، النحوي-التركيبي، المجازي)، وقد حرصنا خلال اختيار النماذج على أن تشمل مختلف المواضيع التي تناولها الشاعر، حيث تم اختيار قصيدة من كل ديوان، لدراستها دراسة أسلوبية، وقد توصلت هذه الدراسة إلى جملة من الخصائص، تم تركيزها في خاتمة الفصل، فتميّزت قصائده بالشّكل المتحرّر من الأوزان والقافية، مع الحفاظ على إيقاعٍ داخليٍ خاص، ينبع من حروفها ومعانيها، كما تتميز قصائده بوفرة التشابيه والاستعارات، التي تتداخل لتخلق صوراً مركبة، بالإضافة إلى استخدام التّناص من نصوص القرآن والإنجيل وأشعار الحلاج، فطغت اللغة الرمزية الصوفية والوجدانية التي يسعى الشاعر في ذروتها إلى الوصول مجازياً للإتّحاد بين الطبيعتين البشرية والإلهية، مع استخدام الثنائيات التي تضفي على القصائد نغمة موسيقية خاصة، وخصوصاً فيما يتعلق بالثنائية الحاكمة ” ال هُوَ وال هِيَ”، والتي تمثل إقامة جدلية حوارية بين المذكر والمؤنث، المنطلق من أنا الشاعر إلى الأنثى بكل صورها ، بالإضافة إلى استخدام الأسماء ذات الدلالات التاريخية والثقافية، والتي تشكل أقنعة تسلل من ورائها الشاعر لإيصال رسائل رؤاه الشعرية إلى القارئ.

–    قمنا في الفصل الثاني بتبيُّن رؤى الشاعر نحو القضايا الرئيسية في قصائده، وأولى هذه القضايا كانت رؤيته للشعر، الذي بدا في رؤيته، لغة اللاوعي المتحرر، وعنصراً حياتياً خامساً لا يقل أهمية في وجود الإنسان وبقاء قيمه، عن الماء والهواء والنار والتراب، لأنه في رأيه باب المعرفة والحكمة المشرّع للباحثين عن المعرفة وطرح الإشكالات الفلسفية من دون قيود، وان الغموض في الشعر يحافظ على هالة القداسة التي يجب أن تتميز بها حروفه، والتي  تمنح النص الديمومة والتجدد والبقاء.

–    تبين لنا أن حرية التعبير في رؤية الشاعر تشكّل الرّئة التي يتنفس عبرها الشاعر والأديب، والمقياس الأساسي في فرز الشعر عن غيره من أنواع الرّغاء، وأن الحرية في التعبير عن كوامن النفس، هي التي تخلق الرؤية المكتملة، وأن القيود الإجتماعية والثقافية الموروثة تجعل من الرؤية مخلوقاً مشوهاً عاجزاً عن الفعل والتفاعل، لذا وجب برأيه على الباحث عن الحقيقة أن يقدم في سبيلها ما استطاع لتبقى المشعل الذي ينير درب الباحثين عبر العصور.

–    تبيّن لنا أيضاَ أن الوطن في رؤية الشاعر لا تقيّده الحدود الجغرافية المصطنعة، فحملت قصائده هموم الوطن العربي ومشاكله وقضايا شعوبه، بكل أبعادها السياسية والإجتماعية والإقتصادية والفكرية الثقافية ، كما تقمّصت سطورها روح الثورة والأمل بغدٍ أفضل.

–    تشكّل الصوفية في رؤية الشاعر، سعي الإنسان الدائم لمعرفة الأسرار اللاهوتية، في سبيل الوصول لفهم أسرار الخلق، فهي بحثٌ دائم عن الحقيقة والمعرفة، بأسلوب عفوي مبسّط قائم على الشفافية المطلقة، وعدم التعقيد وتنميق الألفاظ، وأن الدّين في رؤيته إيمان بالفطرة لا التزام وتزمت بالنصوص، مع نظرته المتساوية في الاحترام للأديان السماوية، وأن الدّين ليس حكراً على الدعاة، الذين يصرفونه كيفما شاءت أهواءهم ومصالحهم، وأن رجل الدّين الحقيقي هو الذي يسعى لكسر الحواجز بين الإنسان ومعبوده.

–    تبيّن لنا أيضاً، أن للشاعر نعيم تلحوق رؤيته الخاصة تجاه الأنثى، وأن خطابه الموجه ﻟﻟ” هِيَ “، يشمل كل ما هو مؤنث في الوجود، من المرأة والطبيعة والأرض والحقيقة واللغة وغيرها من المفاهيم الأنثوية على امتداد الكون.

–    يشكّل موت الإنسان في رؤية الشاعر بوابة الخلاص من التعب والشقاء، لأنه في رأيه خلْعٌ لرداء الجسد الرخيص، وتحليق في فضاء الروح، من دون قيود المادة، بعيداً عن الصورة السوداء التي رسمتها النصوص الدينية عن الموت، على قاعدة أن الإنسان عدو ما يجهل، منتقداً الطقوس التي تقام على الجثث بعد الموت ، والتي تشكل في رأيه عهداً جديداً من القيود المادية التي هرب منها الإنسان.

–    تبيّن لنا أن الأماكن التي ذكرها الشاعر في سلسلته الثانية، تنسجم مع رؤاه السابقة القائمة على التحرر من القيود المكانية والزّمانية، فسجّل إعجابه بمدنٍ أوروبية ألمانية، و عبّر عن حزنه تجاه بغداد وفلسطين و واقع المرأة العربية والواقع العربي  العام.

–    يمكن القول: إستطاع النص الشعري للشاعر نعيم تلحوق إثبات حضوره وتفرده، رغم الإبهام الذي يتميز به، واللغة الصّوفية الفلسفية التي تطغى عليه، فحققت قصائده طاقة عالية من الشعرية تميزت بالتكثيف الدلالي والإقتصاد في بناء القصيدة، مع حسن التعبير ودقة السبك وروعة الأداء.

–    كما أن للشاعر نعيم تلحوق عالمه الشّعري الخاص، الذي لا تستطيع إلا أن تقف أمامه في ذهولٍ، وأن تتنقل بين حروفه بتمهل، لما منحها من رهبةٍ وجمالٍ، فنحتها بتأنٍ ودقةٍ، ورسم لوحاتها بشفافية مرهفةٍ، تفرض على قارئها  التّمعن والتفكّر والبحث عن المعرفة.

–    نستطيع القول: أننا قدّمنا في هذه الدراسة صورة عن شعر نعيم تلحوق ورؤاه، التي يمكن للقارئ اكتناه طبيعتها ولغتها والوقوف عند معانيها، من خلال العمل على تكوين ثقافة شعرية معاصرة، تنهل من معين المعارف المنتشرة في عصرنا الراهن، والتي فرضت على الشاعر أن يعبّر عنها بصدق ويصبغها بأسلوبه، فجاءت لغته متطابقة مع تجربته الشخصية ومعاناته الذاتية واتساع فضائه المعرفي، وقد حاولنا في هذه الدراسة إثبات هذا الرأي، وتبيان جوانب من هذه اللغة الشعرية الحديثة، التي تنضح بجملةٍ من المعارف والرؤى، عسى أن تسهم هذه الدراسة في إلقاء الضوء على تجربة شعرية لبنانية متفرّدة، ما تزال بعيدةً عن الاهتمام النقدي، كما لا لم تلقَ جوانبها الفنيّة والرؤيوية حقّها الوافي من الإستقراء والتعمّق، على أمل أن تكون هذه الدراسة فاتحةً لدراسات أكثر توسعاً وتنوعاً في نصوص الشاعر نعيم تلحوق وأسلوبه الراقي المترع بالجمال والخيال والحكمة والفلسفة والمعرفة، والغني بالصور والدلالات.

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *