أين الحكمة؟…

Views: 762

لميا أ. و. الدويهي

تَمرُّ البلاد، ربَّما بأصعبِ مرحلةٍ وأحلكها سوادًا، البوصلة ضائعة والنَّاس مُشرذمة، لا تعرفُ كيف تُفكّر أو ماذا تنتظر، تحاول أن تجدَ مَخرجًا يَقيها هول المصائب ونتائج تردِّي قراراتٍ سابقة جعلتِ البلاد تنحرفُ عن مَسارِها… تفاقَمتِ الأزمة وطالَت البقيَّة الباقية للإنسان التي تجعلهُ صامدًا إلى ما لا نهاية: كرامته… هي الموهوبة من علياء لكلِّ ذي بَشرٍ والتي تؤكِّدُ على قيمتِهِ بعَينِ خالقِهِ الذي أحبَّ أبعد من الكونِ المحدود، فأوجدَ الإنسان على صورتِهِ ومِثالِهِ، ولا ندري اليوم، مع كلِّ التيَّارات الغريبة عن المنطق، ما الذي قد تبقَّى؟… 

تصاعدت أبواقُ الثَّورة ولمَست هذه الكرامة المُدنَّسة، وأشعلت بيارقَ عزَّتِها، فانتفضَ لبنان، ثائرًا لكرامتِهِ ولوجهِهِ المعطاء والمُضياف وصرخِ: «ليستِ الوحول وجهي ولا الذلُّ مَهدي ولا التشرذم مَقرِّي، نحنُ أبناء الحياة، نحن أبناء النُّور والمجدُ المُعطى لأرضِنا ولقدِّيسينا منذُ بدء الأزمان، ولا يليقُ بنا صليبُ الحياة إلَّا للقيامة»…

توحَّدتِ القلوب وهتفَت للوجود الحقّ، لإنسانيَّتِهِ، لوحدتِهِ، للتَّآخي، للعيش تحت رايةِ الأرز المُتعالي على كُلِّ الجراح، الذي كان الشَّاهد الأبيّ والحارس القديم لأرضِ لبنان، «قلبُ اللهِ» المطعون بحربةِ الآلام، الموجوع لأجلِ الأبناء…  

واصطبغتِ الثَّورة بألوانٍ لا تُشبِهُها، حاولت تَشويهَ سُبُلِها وحَرفَ مسارها إلى أماكنَ مُظلمة… وهذا حالُ الثَّوراتِ في كُلِّ مكان، لتعطيلِ مفاعيلِها وقمعِها وتدميرِ أهدافها… إلَّا نَّ روحَ ثورتِنا باقية كما هي، لأنَّها ترفعُ شعار الإنسان وتتمنَّى نفضَ الغُبار عن أرضِ قديمِ الزَّمان، ولا تُريدُ الإساءة ولا التَّشهير ولا التَّنكيلَ بالآخرين، وإنمَّا إعلاء صوت الحقّ والمُجاهرة به، علَّ الضَّمائر تصحو وتهتزُّ فيأكل الأسد على معلفِ الغنم…

تضاربت الآراء مع الوقت وتفاقمتِ الأوضاع، واختلطَ الحابل بالنَّابل، وتعب البعضُ وتريَّثَ البعضُ الآخر، هناك مَن يترقَّب، وهناكَ مَن استسلمَ، وهناك مَن قاضى وحاكم وكأنَّ الناس والأفكار والآراء لها لون واحد وجبَ أن يَصُبَّ في نفسِ المسار… فأين الحكمة وأين صوتُها وأينَ مَن يستمع لها أو مَن يطلُبها؟… ها إنَّ صراخ النَّاس يطنُّ في الضمير، فهل مَن يَستجيب؟… أعرفُ أمرًا يَقينًا: «الله وحده قادرٌ أن يُحوِّلَ ظروف ما كان بالأصل للإساءة إلى ما ينفعُ وإنَّما في حينِه»… فهلَّا وضعنا حكمتنا الخاصَّة لقليلٍ من الوقتِ جانبًا وسألناهُ حكمةً منهُ، فما هو جهالةٌ عند الله هو أحكم من بني البشر… وهلَّا صبرنا قليلا وثبتنا على إيمانِنا لنرى مَجدًا قد يمنَّهُ الله علينا، لأنَّهُ لا يستطيع إلَّا أن يكونَ أمينًا لذاتِهِ، ويصونَ أرضًا اختارها لمجدِهِ وجعلها وقفًا له منذُ الأزل… 

٢٦ / ١/  ٢٠٢٠      

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *