هبوط

Views: 685

خليل الخوري  

من أسفٍ أنّ كلاماً خطيراً مثل الذي أدلى به أمس، وزير الصحة العامة محمد حسن، لم يعد يفاجئ أحداً. فلقد تكشف مسلسل الأزمات التي نغرق فيها عن انحدار مروّع في غياب الأخلاق والقيم لمصلحة الجشع غير المحدود، والبحث عن المال ولو على حساب كل شيء. كان الوزير يتحدّث عن المستلزمات الطبية ذات الصلة بالوقاية من خطر وباء «كورونا» فقال:  هذه المستلزمات الطبية متوافرة ولكن ثمة من يحتكرها»… الأمر الذي أدّى الى تغييبها عن رفوف الصيدليات، وربّـما عن بعض المستشفيات أيضاً!

اعترف بأنني قرأت تلك الكلمات المعدودة غير مرّة، وأنا  لا أصدق أن أمراً مثل هذا يمكن أن يحصل… وبقيتُ على عدم التصديق برهة، لأستعيد الواقع في ما نعيش من حالات غير مسبوقة ببشاعتها، لأدرك أنّ  الذين افتقدوا الأخلاق والحسّ الإنساني موجودون  عندنا، وهم غير  قليلي العدد والمواقع والمهام والمسؤوليات.

لقد انقلب  الزمن اللبناني في كل تفاصيله وقيمة وملامحه، وزالت  مواطن الجمال والكرامة والمروءة وإغاثة المحتاج  (…) لدرجة صرنا نسمع هكذا كلاماً توصيفاً لأحوالنا المريضة التي اجتاحها الكثير من الأوبئة والجائحات، وليست «كورونا» بأكثرها خطورة، على ما تحمل من مؤشرات خوف يبلغ حدود الهلع لدى الكثيرين في مختلف أنحاء العالم.

هل كان يخطر في بال الأكثر تشاؤماً أنه في سبيل المكسب الحرام يمكن أن تُـحْجب مستلزمات طبية هي متوافرة ولكن هناك من يحتكرها؟! وذلك لرفع أسعارها بشكل جنوني: من خمسة آلاف ليرة  ثمن رزمة  الكمامات الى خمسة عشر ألفاً ومنها الى خمسين ألفاً… فقط لأنّ الناس خائفة وتعتقد (عن خطأ أو صواب) أن الكمامة يمكن أن تقي من انتقال  هذا الڤيروس!

إنه أبشع نماذج الاستغلال. إنه أحد مظاهر الوحش الكامن في الطماعين الجشعين مستغلّي آلام الناس وخوف الناس وارتباك الناس و… والمسؤولين أيضاً.

وليست قضية الكمّامات وسائر  المستلزمات الطبية ذات الصلة بكورونا هي المثال الوحيد عمّا عبّرت عنه الأزمة الطاحنة التي تكشفت  على حقيقتها منذ انطلاق  الانتفاضة في 17 تشرين… فالأمثلة لا تحصى ولا تعد كارتفاع أسعار السلع عموماً، خصوصاً المواد الغذائية، ارتفاعاً غير مفهوم وغير مقبول بالطبع، وبالتأكيد غير مبرّر … وأمّا معاناة الناس إزاء ودائعهم ومدخراتهم وجنى العمر فحدث ولا حرج.

ذات زمن كنت في برلين ورغبت في أن أبتاع بعض الفاكهة، فدلفت الى متجر متخصص في بيع الفاكهة والخضار على أنواعها. رحّبت بي السيدة وقالت بتهذيب: أرجو سيدي أن ينظر الى ساعته. فنظرت وقلت إنها السادسة (مساء). فقالت: صحيح. ونحن نتوقف عن البيع بعد السادسة. فقلت: ولكن لم تقفلي المتجر بعد. فقالت (دائماً بابتسامة وتهذيب):  القانون يحظر على هذا المتجر أن يبيع بعد السادسة ولكنه لا يحظّر علي أن أفتح الباب! وأضافت: الأمر بالنسبة لي يتعلق بالأخلاق وأيضاً بالوطنية، وهو ما لا توازيه أموال الدنيا. فاعتذرت منها وغادرت.

إنها مسألة خضار… فكم بالحري  إذا قارناها بمسألة صحية قد تكون مصيرية؟!

وهل نمضي نسأل ونتساءل: لماذا هم حيث هم ونحن هبطنا الى حيث نحن راسفون!

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *