درهم الوقاية

Views: 265

 خليل الخوري 

يصح في لبنان بيت الشعر المأثور: «وصرت إذا أصابتني سهامٌ تكسرت النصالُ على النصال». فلم يبقَ في جسم هذا الوطن مكانٌ لم تصبه نبال المشاكل والأزمات والمخاوف والقلق:

في وقت تجتاحه الأزمة الاقتصادية – المالية النقدية – الاجتماعية، حلّت في ربوعه جائحة «كورونا» التي زادت من وطأة الأزمة المذكورة آنفاً… فالاقتصاد الذي كان مهزوزاً بقوة ويترنح على شفير السقوط في الهاوية لم يبق أمامه من سبيل الى المناعة. فالسياحة المضروبة أساساً، سقطت بضربة كورونا القاضية، والآتي أعظم فالمؤسسات السياحة أخذت تفتقد روادها اللبنانيين أنفسهم خشية تجنباً للاختلاط بين الناس… وللرعب من كورونا ما يبّرره إذ أن هذه الوافدة الخطرة تنتقل بالعدوى… والعدوى تأتي من التماس بين الناس مصابين ومرشحين للإصابة. لذلك أحجم الناس عن ارتياد المطاعم والملاهي والمنتجعات.

واذا كان لا بدّ من إقفال المدارس والمعاهد والجامعات أسبوعاً فهذا التدبير  مرشح لأن يمتد طويلاً، خصوصاً أن المعلومات المستجدة التي توافرت عن هذا الوباء تنفي مقولة تراجعه في موسم ارتفاع الحرارة.  وذهب مدّعو العلم والمعرفة به إلى أن حتى من يُشفى منه يبقى حاملاً القدرة على نقله الى الآخرينَ وأصلاً كان التعليم قد تعطل كلياً أو جزئياً جراء «مقتضيات» الحراك في الشارع. أي  أنّ العام الدراسي قد ضُرب جدياً، وهو ما سيرتب أزمة في حدّ ذاته. فكيف سينتهي العام الدراسي في وقت يبدو واضحاً وإن مبكراً تعذر إجراء الامتحانات النهائية… وإعطاء الإفادة المدرسية لن يكون منطقياً ولا مقبولاً من دون إتمام المناهج!

يحدث هذا في وقت يقترب استحقاق التاسع من آذار (بعد ستة أيام) إذ يفترض أن يكون لبنان قد أمّن المليار والــ200 مليون دولار لتسديد سندات اليوروبوند، أو «أمّن» خطة التأجيل. ومعلوم أن المبلغ غير متوافر، والخطة البديل لا رأي موحّداً حولها، حتى كتابة هذه الأسطر مساء أمس!

وقد استأثرت هذه المستجدات الثلاث (كورونا – المدارس – الاستحقاق المالي) بالاهتمام العام الرسمي والشعبي، لدرجة أن المطالب الحياتية الملحّة تراجعت  لأن المستجدات أنست اللبنانيين أزماتهم  المزمنة (الكهرباء والنفايات مثالاً) وأزمتهم المستجدة (مصير الودائع في المصارف وكيفية التعامل في شأنها) وأيضاً الأزمة الأبدية (الفساد و… المفسدون في الأرض)!

بإختصار إنها أزمات تصيب الأوطان في مختلف أصقاع العالم، ولكنها لا تفعل فعلها المروّع كما فعلت عندنا، لأننا  عشنا في بلد غابت الدولة فيه  منذ عقود، وأصيبت بالغيبوبة ولم يتحلَّ أركانها بالشفافية والأمانة وتحمل المسؤولية… وتلك هي بمثابة «درهم الوقاية» الذي يجنب الوقوع في الحاجة الى «قنطار العلاج»…

… ولات ساعة مندم.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *