صبحناكم…

Views: 628

حقيبة سفر

 

د. جان توما

بعد السلام، أخبرني أنّ أوراق هجرته وصلت، وهو ماضٍ مع زوجته وولديه إلى غير رجعة.

هكذا في لحظة، وما بين نظراتنا المرّة ، انفتح دفتر الحنين إلى أيام الفرح التي ولّت، وإلى زمن طفولة الحارات التي اندثرت، وإلى معارج الشباب التي رحلت.

التقيته مع زوجته على باب الزقاق المؤدي إلى بيتهما. في هذا المنعطف الضيّق كم سُرَّ وتوجّعَ وكتبَ قصة حبّه، مُصرًّا على أن يفتح أولاده أعينهم على هذا الشاطىء البحري ليشعروا بالحياة.

أقنعوه بالهجرة كثيرًا فرفض. قرأ كثيرًا ودرّس أبجدية معرفة الحياة،  وأبحر في كتب عديدة، لكنّ  سفينته لم تغادر رصيف المدينة البحريّة.

اليوم كان البحر الآخر في عينيه يناديه للرحيل. شعرت أنّه يرفع الأشرعة ويهمّ بسحب مرساة زورقه. يبدو أنّ الصيد هنا صار مُتعبًا وقد رأى الصيادين هنا كم ينكسرون كالصواري في عزّ الريح. صارت أشرعته حقائب سفر، وصارت مرساته خارطة طريق لمستقبل أولاده.

غدًا في غفلة حكّام الوطن سيمسك ابن بلدتي يديً ولديه، يودعهما قرّة عينيه، ويقودهما إلى أرض جديدة وسماء جديدة،  وسيحكي لهما قبل أن يغفوا عن تلك المدينة البحرية التي عاش فيها وعن قناديل الصيادين، وفقش الموج، وليالي الماء المالح.

سيشعر ولديه في كلّ ليلة بأحلام والديهما، وسيفهمان كيف تصير الدمعة في ليالي الشوق محابر المَهَاجِر، ووجع الدفّة وهي تشقّ وجه المياه في أمسيّات الرحيل.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *