ميلاديات (٣)… برد وثلج وليل وريح

Views: 1

د. جان توما

لم ينم الطفل تلك الليلة، فقد كان موعودًا بمجيء “بابا نويل”، فوالداه لا يكذبان،وقد وعداه بأنّ “بابا نويل” لا بدّ وأن يردّ على رسالته التي أرسلها له بواسطة أبيه.

كان الطفل متكئًا على زجاج نافذته،فيما كان الثلج ينهمر بـهدوء في الخارج،يلفّ الأشجار برداء أبيض.مدّ الصبي سبّ‍ابته ليرسم أشكالا مختلفة على زجاج النافذة بعدما ترك لهاثه، على الزجاج، طبقة من الرطوبة.لم يرسم إلا شكل”بابا نويل” مرات ومرات، معتقدًا أنّه إذا رسمه تكرارا فلا بدّ من أن يحضر،مؤمنا في الوقت نفسه، أنّه سيرى الطفل المنتظر فيأتي ليكسر برودة انتظاره ويشيّع الدفء في قلبه القلق.

أنصت الطفل مرارًا،وبشكل مركّز، علّه يسمع من بعيد أصوات أجراس موكب “بابا نويل” فلم يوفّق، إذ لم يسمع إلاّ عويل الريح وسرعة الهواء.كان يحاول أن لا يصدر جلبة كلّما خطا على أرض الغرفة، خوفًا من أن ينتبه”بابا نويل” فيرحل سريعًا دون أن يترك “الهدية”المنتظرة أمام شجرة العيد أو قرب المدفأة التي لن يستطيع”بابا نويل” أن ينـزل منها، لأنّ والده أخبره أن عامل تنظيف المدفأة لم يأتِ هذه السنة بعد لينظّف المدخنة تمهيدًا لإشعالها.

فكّر الطفل قليلا: ولكنّ”بابا نويل” يمكن أن يأتي من المدخنة، لأنّها، بسبب عدم تنظيف داخونـها، لن تشتعل ما سيسمح لـه بالنـزول منها دون أي ضرر. ركض صوب المدفأة، مدّ رأسه من تحت فوهة الداخون ، نظر إلى الأعلى، لم يجد أحدًا، ولم يسمع صوتًا، فعاد إلى زجاج نافذته ينتظر مجيء “الهدية” التي يحملها”بابا نويل”.

مرّت ساعات، قبيل منتصف الليل، ولم يمرّ موكب”بابا نويل”. أخذ الطفل يعلّل نفسه بأنّه ربما تأخر بسبب كثرة أولاد الحيّ الذين كتبوا رسائل له.ولكن هل يُعقل أن يغيب “بابا نويل” هذه السنة عن الحضور؟لقد تغيّب، خلال سني الحرب اللبنانية عن الحضور لكثرة الحواجز العسكرية، ولقلّة المحبّة يومها بين الناس، كما أخبره والده، ولكن اليوم الأمور تحسنّت، وإن لم تعمّ المحبة الأرجاء. ولكن،قال الصبي،في سرّه، لماذا أحرم من “بابا نويل”؟وما ذنب الأطفال في حرب الكبار وعدائيتهم؟حزن الصبي في قلبه،وبدأ النعاس يتسلّل إلى عينيه،وبدا متعبًا.

إلاّ أنه عاد يتأمل الشارع أمامه،بقرميد منازله،بسيارته، بأبواب منازله،فلمح شكلاً ثلجيا لـ”بابا نويل”أمام بيته،دون قبعة وشال،ويبدو أن طفلاً صنعه على عجل ومضى،خرج إليه،وضع قبعة أبيه على رأس “بابا نويل” الثلجي ولفّ رقبته المثلجة بشال أبيه أيضًا،وعاد إلى الداخل ليتسمّر أمام زجاج نافذته منتظرا ومتأملاً الشارع أمامه،من جديد،بقرميد منازله،بسيارته،بأبواب منازله، لكنه لم يجد “بابا نويل”الثلجي، دُهش كيف ذاب بسرعة. رجع إلى الوراء خطوتين، اصطدم ….بـهدية ملفوفة بشال أبيه ومزيّنة بقبعته

(redmanpowerchair)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *