هي الدنيا (1 /5)
د. جان توما
تبقى المرأة مالئة الدنيا وشاغلة الناس: مالئة الدنيا، لأنّها تعطي الحياة وشاغلة الناس، لأنّ الناس تنشغل بها عن الدنيا لأنّها الدنيا. من الطّريف أنّ الرجل، في الأمثال الشعبية، هو الذي يرسم صورة المرأة وموقفها منه، ومن بنات جنسها.
هناك هذا الإسقاط الرهيب الذي يخطط له الرجل بكامل قواه لإبراز تفوّقه الاجتماعي التاريخي، فيجمع المتناقضات في صورة واحدة، كما في الأرضيّة الثابتة المبنية على همّ البنات إلى أن يتزوجن فـ ” المرة بلا زواج جنينة بلا سياج“، وكما في تعبيره عن صراع النساء فيما بينهن كقوله:” المرة أعدى عداها: سلفتها وكنّتها وبنت حماها“.
هذا التركيز الدائم على الصّراع بين النساء ضمن العائلة الواحدة، هو لتبرير بقاء الرجل خارج هذه العداوة ” كأنن ضراير” ليبقى حَكَمًا مُطلقًا، وحرًّا في اجتراح الحلول التي تناسبه لفرض السلام أو التسوية بين المتقاتلين. إنّ هذه العلاقة الملتبسة الدائمة التي قد تبدو مُتعبة، ينبري الرجل، مخترع الأزمة، للبحث عن حلّ، على طريقته الاجتراحيّة فيرى أنَّ :” المرا متى قبرت حماتها، نفّقت بنيّاتها، بتقعد وبتمدّ جرّياتها“.
كأنَّ الرجل متقبّل لوجود حماته وقد أشبعها أمثالاً مؤذية ومنها: ” اليّ بدو يرتاح بحياتو يرضي حماتو قبل مراتو“، طبعًا خوفًا واحتياطًا، و” إن حبتني حماتي ع التتور، وإن بغضتني حماتي ع التنور“، يعني لا مناص شعبيا من تحديد مواقع الوجع والفزع في بلاغية واضحة، إنّ تناول المرأة لم يقتصر على أطراف العائلة ، بل توسّعت إلى كلّ مستجدّ”؛ بسبب الهجر، أو الطلاق، أو الموت، كما في قولهم:” مرة الأب ما بتنحب ولو كانت حورية من عند الرب“. وفي ترجمة أخرى: ” مرة الأب غضب من الرب، لا بتحب ولا بنتحب“.
من الواضح أن هذا المثل يرتكز على مفاهيم سائدة، فالأب هو الحنون والمرتكز، وامرأة الأب لا يمكن أن تحلّ مكان الأم، وهذا أمر واقعي على الصعيد النفسي، فيما لا ينسى الاعتراف بجمال المرأة وحضورها السّاحر. لكنّ الرجل يرفع شعار التعزيّة والمساندة والدعم فـ “المرا ستّارة ولو كانت قهّارة“.
إنَّ سمة القهر التي ترافق المرأة في الأمثال الشعبية لا تقف عند شخصها، بل في كلّ تفاصيل حياتها، إنّها أشبه باستباحة عالم المرأة، وتفصيل البيان والبديع، على قياسات النظرة الخارجيّة إليها لتعبّر عن المرأة بغير لسانها وداخلها.
