شهادة في مارلين سعاده الإنسانة

Views: 1121

مي ضاهر يعقوب 

أقرأ في كتاب مارلين سعاده الجديد “أبعد من حدود الوجود”، أقرأ وأعيدُ القراءة، لعلّني أنجحُ في سبر غور هذه السيدة الراقية التي “تتفتّح كالزهر”، كما يصفُ الدكتور ربيعة أبي فاضل “الأرواح النقيّة” في مقدّمة كتابها. ومارلين سعاده تتفتّحُ كالزَّهر في كلّ كلمة تكتبُها، وفي كلّ عبارة تعرضُها أمام القارىء المثقّف الباحث عن صورة جديدة أو إحساس جديد في المشاعر الإنسانية الجامعة. هي تعترف، في تمهيدها للكتاب، أنّ نصوصَها ما هي إلا وجدانيات لحالة تنتابها من المشاعر الفريدة فتجدُ نفسها تغمسُ يراعَها في الحروف انغماس الرّيشة في الألوان، وتعودُ تنثرُها مشاهد تضجّ بالحياة، “إيقاعها نبض قلبي أكان حزينًا أو سعيدًا”. 

نعم، لقد قرأتُ الحزنَ في خلفية نصوص الكتاب، وقرأتُ السّعادة المشتهاة أيضًا. وحرتُ بين واقع هذه المرأة اللطيفة التي لا تغيب الابتسامة عن ثغرها والفرح في تصرّفاتها، والثمار اليانعة في عطاءاتها المتعدّدة، وبين كلمات وعبارات تتراكم وتذهب بعيدًا في الحزن وانسكاب الدَّمع مدرارا…

 تقول في قصيدة عنوانها “من غيرُك يا ليل؟”:

“في ليلِكَ يا ليلُ خرجتُ أبحثُ عن ذاتي

مَن غيرُك يا ليل يُدركُ عمقَ جراحاتي

سقاني العمرُ خلاً على مائدةِ المسرّات 

وسكرَ فرحًا بِذُلّي راقصًا على إيقاع آهاتي!”

وتضيف:

“مَن غيرُك يا ليلُ يرأفُ بحالي

فيمحو حزني ويُحيي ما مات من آمالي”…

بين الواقع المعيوش والخيال الأدبي، أتساءل أنا الآتية من عالم الصحافة وواقعِها، كيف يستطيع الشّاعر – الإنسان أن ينفصل عن عالمه اليوميِّ المرح إلى عالم آخر يرسمه بخطوط تشوبها الأحزان والآهات؟ لكأنّ الشّعر والكتابة لا يستويان إلا بمشاعر الحزن والكآبة التي تصيب وتر القلب وشغافه، وتحفر عميقًا بسكينٍ كلمات العشق والحبّ الميؤوس والذكريات الجارحة، من “ذكرى ارتعاشة قلب” إلى “ذكرى ابتسامة حبّ” إلى “ذكرى شوق لا ينتهي”، انتهتْ كلّها لأنّ “بوابة العبور أبدًا موصدة”، كما تكتبُ مارلين، “غزاها العشبُ وعرّشَ على جنباتها، علا وارتفعَ ولم يُزهر! ثم ذبل ومات تحتَ وهج الشّمس الحارقة”…

 

هذه مارلين سعاده صاحبة الإحساس المرهف، الإنسانة الراقية في رابطة ثقافية محترمة (أمينة سرّ  الرابطة الثقافية رعية مار مارون – البوشرية)، تواصل حياتها بين العائلةِ والعمل والثقافة، ولا أجمل من الثقافة العربية التي تغرفُ منها مارلين كلماتٍ وأدبًا رفيعًا، وقد تعارفنا من خلال هذه الكلمة العربية الصحيحة التي عشقَتْها مارلين. ففي يومٍ  من عام 2013 كنتُ أبحرُ فيه عبرَ الانترنت وعلى موقعِ الفيس بوك، تصلني رسالة من امرأة لا أعرفها تدعى مارلين سعاده. كتبَتْ تقول إنّها قرأت رواية لي، وأُعجبتْ بها، لكن وجدتْ فيها بعضَ الأخطاءِ اللغوية، ويعزّ عليها أن يصدرَ كتابٌ وفيه أخطاءٌ وإن بسيطة! سألتني إذا كنتُ أرغبُ في الاطلاع على تلك الكلمات. طبعًا رحّبتُ وأعطيتُها عنوان بريدي الالكتروني، فأرسلَتْ لي لائحة بالكلمات في صفحات محدّدة. وصرنا أصدقاء عبر الأثيرِ إلى أن التقينا في مناسبةٍ ثقافيةٍ وتعارفنا، وتكرَّرتِ اللقاءات، وعلمتُ منها أنّها تتابع دراستها في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية بعد انقطاع طويل. وتسعى للحصول على الليسانس بعد معادلتها للمواد التي أخذتْها في الماضي، ومن ثمّ الحصول على الماستر… وهذا ما تمكّنَتْ مارلين من تحقيقه. وإذا بي أجد نفسي مأخوذةً بالاختصاصِ الأدبيِّ الذي حدّثتني عنه، أنا الحاملةُ الإجازة في الصحافة، والماسترز في العلوم السياسية. وأفادتني مارلين بالمعلومات للتسجيل في كلية الآدابِ – الجامعة اللبنانية… وها أنا الآن أتابع تحصيلي العلمي، فبعدما نلت الليسانس في قسم اللغة العربية وآدابها، وأنهيت السنة الأولى ماستر بنجاح، أدرس حاليًّا الثانية لأصل بعدها إلى الرسالة، ولم تمنعْني شَيبتي من الجلوس مع رفاق جُدد لي من عمر الأحفاد، والانكباب على الدرس، والغَرْف من المواد اللغوية والأدبية القديمة والجديدة المشوّقة. والفضلُ لكِ يا مارلين، لأنّ شغفَكِ بفنون اللغة العربية وآدابها انتقلتْ إليّ بشكل لم أكنْ أتوقّعه، وبشغفٍ، قد لا يكون “أبعد من حدود الوجود” لكنَّه بالتأكيد أبعد من الحواجز التي ترتفع أمامنا بين فينة وأخرى… حواجز نتجاوزها بإذن الله وبالتعاضد الإنسانيِّ الذي يجمع المحبّين أمثالك.

ألف مبارك مارلين، وإلى مزيد من العطاء الثقافيِّ والابداع الأدبيِّ الرّفيع.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *