قاضي الأرض وقاضي السماء
الوزير السابق جوزف الهاشم
إذا خـانَ الأميـرُ وكاتباهُ وقاضي الأرضِ داهنَ في القضاءِ
فويلٌ ثمَّ ويـلٌ ثمَّ ويـلٌ لقاضي الأرضِ من قاضي السماءِ .
محمد الشوكاني : (أحد كبار علماء اليمن)
لا بيـان رئيس الحكومة الذي يُشـبهُ الموشّحات المأتـمية ، ولا الرؤساء ولا النواب ولا الوزراء ، إنه القضاء ، وإلاّ … فكيف ترجو العدل من متّهم.
في زمن التأرجح بين الموت والحياة ، بتشكيلات قضائية أو بغير تشكيلات، فالقاضي الذي يستطيع أن يشهر سيف العدالة صارماً كان المنقذَ البطل ، ومن يجرح يـده بالسيف عليه أن يتنحّى .
هو نادي قضاة لبنان يقول في بيان ، “إنّ الأزمة التي يواجهها الشعب اللبناني هي وليدة فساد معظم الحكام ومنظومتهم القضائية … والشعب اللبناني ضحية جشعِ الفاسدين من الطبقة السياسية …”
هذا يعني أن هذه الحكومة إنْ لم تستطع أن تسميّ فاسداً واحداً من كبار “معظم الحكام” ، وإذا تعـذَّر على القضاء أن يدعو واحداً منهم إلى فنجان قهوة في السجن لا في مقهىً قضائي ، فصلّوا على هذه الدولة وسلّموا .
أليس أنّ هذا الإنهيار الرهيب الذي زعزع كيان لبنان ، سببهُ شلُّ يـدِ القضاء عن محاسبة المرتكبين ورضوخ القضاء لهيمنة السياسيين فأضحى محكوماً لا حاكماً ، وأصبح من يذهب إلى المحكمة يربح هـرّة ويخسر بقـرةً ، على ما يقول مثلٌ تركي …؟
التذرّع بالقوانين المركّبة التي تلفـظ حكمَ البراءة قبل المحاكمة ، أسقطه نادي قضاة لبنان باجتهاد يعتبر المحاكم العادية مخـوَّلة محاكمة الوزراء ، الذين يختلسون بحمى القانون .
واستطراداً ، إطرحوا في المجلس على الكتل النيابية والحزبية مشروعاً واحداً إسمه رفع الحصانات وحاسبوا على أساسه من يرفع يـده موافقاً ، ومن يطأطيء يـده ورأسه ارتجافاً .
إذا تلكَّأت المحاكم العدلية عن محاسبة المرتكبين ، فلـنْ يفلتـوا من محكمة الشعب الميدانية ، ما دام الشعب هو مصدر السلطات ، وما دام القانون حسب المادة السادسة من حقوق الإنسان الفرنسي هو التعبير الصادق عن إرادة الأمـة .
أرسطو الفيلسوف اليوناني إحتراماً لإرادة الأمـة ، وبالرغم من أنه اتُّـهم زوراً، فقد حاسب نفسه وتجرّع السمّ .
وموليير الفيلسوف الفرنسي : قـدَّم نفسه طوعاً للمحاكمة ، وعندما شكّ باستقلالية المحكمة هرب إلى إنكلترا .
الفلاسفة عندنا ، لأنّهم يتحكّمون بالمحكمة ، فلا يخشون إرادة الأمـة ، ولا يتجرَّعون السمّ ، ولا يلوذون بالفـرار ، ولكنَّ الفـرار من قاضي الأرض لا يؤمّـن لهم النجاة من قاضي السماء .
“الذين طغوا في البلادِ فأكثروا فيها الفسادَ .. فصبَّ عليهم ربُّـك سوطَ عذابٍ إنّ ربّـك لَبالمرصادِ …” (سورة الفجر (11 – 14) .
***
(*) جريدة الجمهورية 13/ 3/ 2020