التّعليم في المدارس والجامعات؛ إلى أين؟

Views: 782

مطانيوس قيصر ناعسي

التّعليم قديم، عمره من عمر الإنسان، وقد اتّخذ أشكالًا كثيرة خلال تاريخه الطّويل، فكان بين فرد وآخَر، وبين فرد ومجموعة، وبين مجموعة وأخرى… أمّا في ما يخصّ المكان، فقد تنوّعت أماكنه، فكان في المنازل، والسّاحات، ودور العبادة، والأديرة، والطّبيعة، والأبنية الخاصّة والعامّة… وهذه الأخيرة هي السّائدة حاليًّا في العالم، حيث يتوافد الطّلّاب والأساتذة والإداريّون يوميًّا إلى المؤسّسات المُسمّاة مدارس وجامعات، ليتمّ نقل المعلومات مِنَ الرّؤوس القديمة إلى الرّؤوس الجديدة في معظم الأحيان، وبالعكس أحيانًا. ولكنّ السّؤال الذي يُطرح اليوم: هل يستمرّ هذا الشّكل السّائد؟ أي هل تستمرّ المدارس والجامعات بشكلها الحاليّ؟

مؤشّرات كثيرة تدلّ على أن لا، ومن هذه المؤشّرات سهولة الوصول إلى المعلومات من خلال البنك المعلوماتيّ العملاق الّذي خلقته الشّبكة العنكبوتيّة، ما يجعل الطّالب مُستخفًّا إلى حدّ كبير بالّذي تقدّمه المدرسة، أو الجامعة، عن طريق المُعلّمين، أو، في أفضل الأحوال، غير مقتنع بضرورة حضوره اليوميّ إلى المؤسّسة التي يتعلّم فيها، ومكوثه ساعات هناك من أجل الحصول على تلك المعارف ما دام يستطيع الوصول إلى هذه الأخيرة عن طريق الكومبيوتر، والهاتف الخلويّ الذّكيّ، وغير ذلك من وسائل الاتّصال والتّواصل التّكنولوجيّ.

مطانيوس قيصر ناعسي

 

طبعًا، هذا لا يجعل الطّالب على حقّ في ما يعتقده، لكنّ ذلك يدور في رأسه ولا شكّ، ويشكّل أحد منطلقات تذمّره من الوضع القائم، إلى جانب أمور عديدة أخرى قد يكون محقًّا في التّذمّر من بعضها.

فالتّكنولوجيا تؤدّي اليوم دورًا رياديًّا في التّغيير الجذريّ الآتي، بدأ يتبلور في أكثر من طريقة، كالتّعليم عن بعد بوساطة الإنترنت الّذي تطبِّقه اليوم مدارس لا تُحصى، منها على سبيل المثال لا الحصر مدرسة”مدرسة أون لاين www.madrasa-online.com” المصريّة، وجامعات كثيرة أيضًا”كجامعة الملك عبدالعزيز https://www.kau.edu.sa” السّعوديّة، وهذا التّطوّر سيسود، على الأرجح، العالم، بعد التّوصّل إلى حلّ مُطَمْئِنٍ لموضوع جدّيّة الطّالب ومثابرته في التّحصيل المعرفيّ من خلال الإنترنت، وموثوقيّة الدّروس والفحوص والشّهادات، ما لم يطرأ طارئ كالّذي سيأتي ذكره.

 

       ومتى ساد أسلوب التّعليم هذا عالميًّا، ستقفل معظم المؤسّسات التّعليميّة التّقليديّة أبوابها تباعًا، ما يرتّب بطالة مخيفة في هذا القطاع، إذ إنَّ مُعَلِّمًا مُلِمًّا بالتّكنولوجيا، مع “كاريزما” شخصيّة، وعلاقات اجتماعيّة واسعة، وكفاءة كافية، سيحلّ محلّ مئات المعلّمين، وربّما الآلاف، ولن تتمكّن البلدان والوزارات والمؤسّسات التّربويّة، عند ذلك، من فرملة وحش البطالة.

ويجدر القول إنَّ ما سوف يحدّ من هذه الطّريقة التّعليميّة المُقبلة، ومن ثَمَّ يقضي عليها، التّوصّل إلى اختراع وسيلة لإدخال المعلوماتدفعة واحدة إلى العقل البشريّ، أوعلى مراحل، ما يرتّب عقب ذلك عدم الحاجة إلى التّعلّم أصلًا. ونحن في طريقنا نحو تلك الوسيلة كما يبدو، حيث تباشير اختراع كهذا بدأت تلوح في الأفق، إذ نشر موقع “العربيّة.نتal-Arabiya.net”يوم الخميس الواقع فيه 9 أيّار 2013 مقالًا بعنوان “يو أس بي” للدّماغ… وصفة المستقبل الطّبّيّة https://www.alarabiya.net/ar/amp/technology/2013/05/09/ “، تزوّد هذه الـ “يو أس بي” بجميع المعلومات التي يتذكّرها الإنسان، أو تلك الّتي يريد الاحتفاظ بها إلى الأبد… كما نشرت جريدة “الأخبار” اللبنانيّة في عددها الصّادر يوم الخميس الواقع فيه 21 أيلول 2017،والّذي يحمل الرّقم 3280، مقالًا بعنوان: “ربط الدّماغ البشريّ بالإنترنت لأوّل مرّة في التّاريخ https://al-akhbar.com/Editions/2017/9/21” يقول فيه آدم بانتانويتز، المُحاضر في كلّيّة “Wits” للهندسة الكهربائيّة والمعلومات، والمُشرف على مشروع “Brainternet”: “في المستقبل القريب سيكون بالإمكان نقل المعلومات في كلا الاتّجاهين، من وإلى الدّماغ”.

 

التّعليم ضرورة لا بدّ منها، قد تختلف أوجُهُهُ، أو سُبُلُهُ، لكنّه سيستمرّ حتّى يحين موعِد زرع المعلومات في العقل البشريّ كما سبق وتقدّم، فهل نحن بعيدون عن ذلك الزّمن قياسًا بسرعة التّقدّم الإنسانيّ في ميدان الاكتشافات والاختراعات والتّكنولوجيا؟ وهل يمكن لهذا الاختراع أن يُجهِض التّعليم عن بعد قبل أن يبلغ مداه، فيتربّع هو على عرش وسائل النّقل الفكريّ، لينضمّ بذلك، وبشكل كامل، أبناء هذا القطاع إلى إخوتهم العاطلين مِنَ العمل؟

(٢٠-١-٢٠٢٠)

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *