نداءُ الأعماق

Views: 23

  لميا أ. و. الدويهي

هل يستطيعُ الإنسان أن يغفلَ عن نداءٍ من الأعماق، عن استغاثة تُطلَقُ من رَحَم الألم ويقفُ مُتفرِّجًا، غير معنِّيٍ بصرخات تهزُّ الوجدان؟… هل يتعامى عن أنَّاتٍ تُمزِّقُ الأحشاء، فقط كي لا «يتورَّطَ» بدورِهِ بجبلةِ الآلام التي قد تطاله؟… أو لأنَّهُ قد يتعرَّضُ حينها للانغماسِ بأوجاع لن يُدرِكَ عُمقها إلَّا لحظةَ ولوجِها؟…

ما الأجدى؟ الهرولة ابتعادًا، ولو طارد ذلك الأنين الضَّمير، أم الدنوِّ للمساعدة مهما كان المَصير؟…   

أحيانًا الرغبة في المساعدة تكون قويَّة وحقيقيَّة ونابعة من الأعماق، ولكنَّ البعضَ أجبن من أن يمدَّ يدًا للمساعدة ويفضِّل أن يحبسَ الضَّمير في زنزانةِ اللَّا إنسانيَّة على أن يُغامرَ في مَجهول قد يُعرِّضُ استقراره لزعزعةٍ ما… فحتَّى هنا، في هذه اللحظات، ماضي الإنسان يُطاردُهُ ويؤثِّر في قراراتِهِ ومُقرَّراتِه وقد لا يعرف كيف ينظِّمُ أصغرَ أمورِهِ، فكم بالحريِّ أمورغَيره؟…

هناك مَن يدَّعي حرصه على الالتفاف إلى محتاج وليس بالضَّرورة المحتاج ماديًّا وإنَّما مَعنويًّا، إنسانيًّا وربَّما روحيًّا، وهو أصعب أنواع الأوجاع، إذ قد يضطرُّ مَن يَندفعُ للمساعدة أن يحملَ أوجاعًا بدورِهِ ليُساندَ مُؤلَّمًا، فالمتابعة والدعم وحتَّى المُرافقة بالصَّلاة تتطلَّبُ مَجهودًا كبيرًا وفي بعضِ الحالات، كي تلجَ نفسٌ إلى النُّور، قد نتمخَّضَ بهِا تمامًا كما في لحظاتِ الولادة العَسيرة…

الأمومة تتألَّم لتُعطي الحياة، ليس فقط عند الولادة وإنما في كلِّ مراحل تنشئة ونمُّو الولد… الولد يتألَّم عندما تستسلمُ الحياة في جسدِ الوالدينَ للوهن والأمراض… الصَّديق يتألَّم عندما تقضُّ مضجعَ صديقه صعوبة ما… الحبيب يتألَّم لوجعٍ ما في روحِ الحبيب…

المُكرَّس لخدمةِ الإنسان يحملُ شتَّى أنواع هذه الآلام في روحِهِ ليَعضُدَ ويُساندَ مَن قَسَتِ الحياةُ عليهم ونكَّلَت في نفوسِهم وخلقت أمراضًا مُزمنة ومُستعصيةً لا تُرى فيها… وكم يحتاجُ هؤلاء إلى كمٍّ هائل من العاطفةِ والمحبَّة والإصغاء لاستردادِ الثِّقة بأنفسهم أوَّلًا ومن ثمَّ بالنَّاس… 

هؤلاء الأشخاص الحاضرون دومًا لغيرهم، قد لا يجدونَ مَن يلتفتَ إليهم في ضيقهم، وبالرغم من ذلك، نراهم مُتعالينَ على الجراح، حاضرين أبدًا لمدِّ يد العون، يُطيِّبون جراحاتهم الخاصَّةِ بالخدمة والعطاء اللَّامحدود، يفيضون من مخزونِ قلوبِهم لأنَّ المحبَّة المَمهورةِ بالخدمةِ هي أنجعُ دواء لآلام هذا العصر البارد بمظهرهِ النَّازفِ في باطِنِهِ… ولو التفتنا من حَولنا وأمعنَّا النَّظر جيِّدًا، لوجدناهم بالقربِ منَّا ونحن لم نولِهم يومًا أهميَّة لأنَّنا نبحثُ عن وهمٍ في تطلُّعاتِنا بما يخصُّ علاقاتِنا الإنسانيَّة بكافَّةِ جوانِبها…
هؤلاء الأشخاص لا يحتاجون امتنانًا، بل صِدقًا في مشاعِرنا وعاطفتنا التي وجبَت أن تكونَ مجَّانيَّة، عفويَّة، لا مشروطة، تصُبُّ في خانةِ الإنسانيَّةِ المُحرَّرة من القيودِ البشريَّة والابتزاز العاطفي… 

  ٦/ ٣/ ٢٠٢٠

(mnspas.com)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *