“قوة الشفاء في الفاكهة” (2)… الدواء المعجزة

Views: 532

خصّت الدكتورة أماني سعد ياسين، مشكورة، موقع Aleph-Lam  (مجلة Superstar) بحقوق النشر الالكتروني لمضمون كتابها “قوة الشفاء في الفاكهة (الدار العربية للعلوم ناشرون ش.م.ل)، لما له من فوائد صحية، بخاصة لجهة تقوية مناعتنا طبيعيًا في زمن فيروس “الكورونا” المرعب، الذي يجتاح العالم. في ما يلي الحلقة الثانية.

 

د. أماني سعد ياسين

قلّما تنظر إلى فاكهة ما إلا ويلفتك أولاً لونها الجميل الأخّاذ وقد لا يعني هذا شيئاً إلا اللون الظاهر لولا أن العلم الحديث أكّد على أهمية هذه الألوان غذائياً وطبياً للإنسان، فقد اكتُشِفت الجزيئات الميكروسكوبية المسؤولة عن إضفاء اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر للثمار والفاكهة وأهمها مجموعة أشباه الكاروتين (carotenoids) وتنقسم هذه المجموعة إلى اثنتين.

المجموعة الأولى، وتضم الألفا كاروتين، البيتاكاروتين والبيتاكريبتوكزانتين  (cryptoxanthin  –  beta ) وهذه المواد تتحوّل في الجسم إلى الفيتامينA . أما المجموعة الأخرى فتشمل بقية الألوان باستثناء الفيتامين A، كاللوتين والزيكزانتين (zeaxanthin) والليكوبين (lycopene)، وهذا الأخير هو المسؤول عن اللون الأحمر لبعض الثمار والفواكه كالبندورة (الطماطم) والبطيخ والبابايا (papaya) والجوافا الزهرية اللون والكريب فروت (pink grape fruit) ، وله دور أساس في الوقاية والعلاج من بعض أنواع السرطان كسرطان البروستات، الرئة والمعدة.

 

أما اللوتين (Lutein) والزيكزانتين فهما الملوِّن الأصفر الطبيعي لبعض الفواكه والثمار (yellowish pigments)  وكذلك لمعظم الأزهار الصفراء اللون. ويُعدّ الكيوي من أغنى الفواكه بهاتين المادتين الملوِّنتين. نعرف الآن أن النقطة صفراء (Fovea) الموجودة في مركز الشبكية  (macula)، وهي المنطقة التي تستقبل الضوء الداخل إلى العين لتحوِّله إلى صورة دماغية، هي المنطقة الأغنى بمادة الزيكزانتين  (zeaxantin)، وأن هذا اللون يخفّ تدريجياً من الداخل إلى الخارج، على عكس اللوتين  (Lutein)، الملوِّن الأصفر الآخر، الذي على العكس من الزيكزانتين يتمركز في محيط الشبكية ويخفّ تدريجياً حتى يصل إلى أقل نسبة له في النقطة الصفرا. (Fovea)

وخلاصة القول إن هذين اللونين موجودان بشكل طبيعي في النقطة المركزية (macula) من شبكية عين الإنسان، حتى أنهما يسميّان أحياناً بالأصفر الماكّولي  (macular yellow)، وكذلك في عدسة العين (Lens) وهما يقومان بعمل الفلترة (كما المصفاة) للضوء الداخل إلى العين، فيتخلصان بهذه من الآثار المخرِّبة (photo toxic) للأشعة الزرقاء وما فوق البنفسجية (near–ultraviolet light)  الواردة إلى العين. من هنا فهما يقومان بعمل الملاك الحارس للعين من الأشعة الضارة والمخرِّبة (ophthalmoprotective)، ولقد أثبتت الدراسات الكثيرة التي أُجريت مؤخراًَ الدور الأساس للوتين (Lutein) والزيكزانتين (zexanthin) في حماية العين من الأمراض التي تصيبها مع تقدُّم العمر من قبل الماء الزرقاء (الكاتاراكت) ومرض التآكل الماكولي نتيجة التقدم في العمر (age–related macular degeneration) (AMD). ويجب ألا ننسى البيتاكاروتين، الأشهر بين هذه المواد الملوِّنة الطبيعية، وهو متوفر في أغلب الفواكه البرتقالية اللون كالمشمش والدراق والخوخ والمانغا التي كلما كانت أغمق لوناً كانت أغنى بالبيتاكاروتين. ولقد أثبت الطب الحديث الفوائد العظيمة للبيتاكاروتين كمضاد للتأكسد (antioxidant) ومقوٍّ للمناعة في مواجهة الأمراض المختلفة.

 

العناصر النباتية الكيميائية أهم من الفيتامينات والأملاح

مَن منا لا يعرف أهمية الفيتامينات المختلفة في التغذية الصحيحة والحماية من العديد من الأمراض والعلل؟!

منذ اكتشاف الفيتامين (C) وتبيان دوره في الوقاية من مرض الإسقربوط (Scurvey) الذي كان يصيب البحارة في أثناء الحرب العالمية الثانية ويقتل الكثير منهم، توالت الاكتشافات من الفيتامين (A) حتى الفيتامين (E) وأيضاً الأملاح المعدنية الأساسية كالبوتاسيوم والكالسيوم والزنك وغيرها، ومنذ قول هيبوقراط الشهير: «ليكن الطعام هو الدواء». وحتى يومنها هذا، ما زال العلماء يبحثون عن الرابط الأساس ما بين الغذاء والدواء. وكل يوم جديد تظهر دراسات جديدة تبيِّن أكثر فأكثر دور الغذاء كدواء وليس فقط كوقاية من الأمراض الخطيرة والمميتة!!

ماذا يجري هنا؟! وعن ماذا نتكلم؟!

في السنوات الأخيرة تمّ اكتشاف عناصر جديدة سمّاها العلماء عناصر نباتية كيميائية  (phytochemicals)  أو عناصر نباتية غذائية. وتعني هاتان الكلمتان المواد الكيميائية أو الغذائية (nutrients) الموجودة في النباتات  (Phyto) = نباتي. وهذه العناصر هي كما يحب العلماء أن يسمِّيها، طريقة الطبيعة الأم في الدفاع عن النباتات!! فالنباتات تولِّد موادَ دفاعية في وجه كل ما قد يؤذيها من حشرات أو ميكروبات أو فيروسات.. أو أي عوامل أخرى ضارة.

 

فعلى سبيل المثال المركبات الكبريتية الموجودة في الثوم والبصل تعمل كالمحارب الذي يدفع عن النبتة خطر الحشرات الضارة. وكثير من المواد الكيميائية الأخرى تدافع عن النباتات في وجه الميكروبات والفيروسات المهاجمة!!

نحن لسنا بنباتات!! فلماذا نهتم؟؟

عندما نأكل – نحن – هذه النباتات التي تحوي هذه الكيماويات المدافعة، نستفيد من هذه المواد ليس في مواجهة الحشرات المهاجمة بل في مقابل الأخطار المحدقة بالإنسان نتيجة التلوث البيئي والسموم التي نتناولها يومياً؛ من هذه الأخطار ارتفاع معدل الكولسترول في الدم وتصلّب الشرايين وأمراض القلب والشرايين وكذلك بعض أنواع مرض السرطان وأكثر الأمراض المتأتية نتيجة التقدم في السن.

كيف تعمل هذه العناصر؟؟

أولاً – تُبطل عمل الجذور الحُرَّة المخرِّبة:

تعمل هذه العناصر كمضاد للأكسدة (antioxidant) ويُعدّ هذا من أقوى وأمضى أسلحتها فتكاً في وجه العلل والأمراض المختلفة فهي ببساطة قد تنقذ الإنسان من براثن الجذور الحُرَّة radicals)  (Free  اللفتّاكة التي تهاجم خلايا الجسم السليمة فتخربها.

على سبيل المثال، الكولسترول مادة أساسية لجسم الإنسان تدخل في تركيب غشاء الخلايا، لذا فهي مفيدة بل وأساسية للحياة. أما حين تعترض الكولسترول هذه الجذور الحُرّة، تسلب منها إحدى الإلكترونات وتؤدي بالتالي إلى خرابها. عندها يصبح الكولسترول ضاراً فيلتصق بجدار الشرايين مسبِّباً تصلّبها وانسدادها ما يؤدي إلى أمراض القلب والشرايين الشائعة وأهمها وأكثرها خطراً السكتة القلبية (MI) والدماغية (Stoke) .

 

وهنا يأتي دور العناصر النباتية الكيميائية المضاد للتأكسد التي تقف سدًّا حائلاً ما بين الجذور الحُرّة (free radicals) وخلايا الجسم السليمة. وللتعريف أكثر فإن هذه الجذور هي ذرّات الأوكسجين التي فقدت إحدى الإلكترونات لديها نتيجة التلوث البيئي وأشعة الشمس وغيرها من مشاكل العصر، وهذا ما يجعلها غير مستقرة ومخرّبة. لذا فهي في أثناء سعيها للاستقرار، تسرق أي إلكترون من خلايا الجسم التي تعترض طريقها وحيثما تستطيع التخريب والتدمير.

وبمرور الوقت تؤدي إلى تخريب خلايا الجسم، وبالتالي نشوء الأمراض المختلفة.

ثانياً – تتخلّص من المواد السامّة المُسرطِنة:

لقد بيّنت الدراسات أن لهذه العناصر دوراً مهماً في دفع مضارّ المواد المسرطنة (detoxification of carcinogens)، وذلك عن طريق تفعيل الأنزيمات metabolizing enzymes)  (phase II  التي تتعرّف على هذه المواد المُسرطِنة وتتخلص منها .(detoxify)

ثالثاً – تُنظِّم هرمونات الجسم:

تحارب بعض هذه العناصر الأمراض عن طريق حفظ هرمونات الجسم وخصوصاً هرمون الإستروجين الأنثوي ضمن حدوده الطبيعية. لهذا الهرمون أهمية كبرى في حفظ سلامة الجسم في جميع المراحل العمرية ليس أقلها انتظام الدورة الشهرية لدى الفتيات وسلامة الحمل والولادة الطبيعية لاحقاً، وهو أيضاً يحمي المرأة من الإصابة بأمراض القلب والشرايين وترقق العظام والسكتة الدماغية. من هنا نلاحظ أن هذه الأمراض يزداد خطر الإصابة بها بنسبة ملحوظة بعد سن اليأس لدى المرأة، ولأجل هذا عُرِف الإستروجين بالهرمون الحامي للمرأة، وهو يوصف بعد سن اليأس وانقطاع الدورة الشهرية لأجل حماية المرأة من كثير من هذه الأمراض الخطيرة والمميتة!

 

إلا أن أكثر الأطباء يخشون من الآثار الجانبية للمعالجة بالهرمون البديل وأهم هذه الآثار المضرة الشائعة هو إصابة المرأة بسرطان الثدي والمبيض. لذلك يُفضِّل بعض الأطباء أن لا يخاطروا ويصفوا الهرمونات البديلة، بل يُفضِّل هؤلاء التركيز على أخذ هذا الهرمون من مصادره الغذائية حيث لا خطر على الإطلاق.

الإيزوفلافونات (Isoflavones) هي مجموعة من هذه العناصر النباتية الغذائية (phytonutrients)  وهي مشابهة للإستروجين الطبيعي بنسبة كبيرة، فعندما نأكل الأطعمة الحاوية للإيزوفلافونات تتصل هذه الأخيرة بلواقط الإستروجين الموجودة في الجسم receptors)   (estrogen  مُسهِّلةً بذلك التخلص من الإستروجين الطبيعي من الجسم والحفاظ عليه ضمن حدوده الطبيعية وبهذا تخفّ نسبة الإصابة بسرطان الثدي والمبيض.

وخلاصة القول إن هذه العناصر الكيميائية تفيد في رفع نسبة الإستروجين المفيد للجسم، وفي المقابل فهي تساعد على خفض مستوى الإستروجين الضار أي الإستروجين المسمَّى 16 – ألفا – هيدروكسي سيترون وهو الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بسرطان الثدي.

 

ما ذكرنا آنفاً هي بعضٌ من فوائد هذه العناصر النباتية الكيميائية وطريقة عملها، إلا أن عددها يفوق المئة، وكلٌّ عنصر يتميز عن الآخر بمميزات وخصائص عُرِف القليل منها وما زال الكثير يطويه الغموض!

ولا أستغرب أبداً إذا كان يتوجب علينا في المستقبل القريب أن نأكل دواءنا بدل أن نبتلعه على شكل أقراص وسوائل!!

(يتبع)

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *