السلالـمُ والجماجم

Views: 286

الوزير السابق جوزف الهاشم

      عندنا … في بلد العجائب ، بالرغم مـمَّا تحمله “الكورونا” من كمَّـاماتٍ لتغطية الفساد ، فلا تزال الأيام ووسائل الإعلام تكشف لنا فوادحَ الفضائح ، وأدهى أساليب الإحتيال للسطوِ على المال .

      وفي الوطن الضحيّة ، لم يتورّع المسبِّـبون بالمآتـم من أنْ يحصروا بأنفسهم حصرَ الإرث إحتياطاً لإعلان الوفاة .

      ربَّ قائل : نحن في حالةِ حربٍ ، وعلينا أن نتـخطَّى ما هو دونها خطراً …

      ونقول : إنّ كلمة حرب هي التي تشكّل لنا عقدةً نفسية ، ولا تُخيـفنا الحربُ بقدرِ ما تُرعبنا أدواتُ الحرب وأشباحُ الحرب ، والمحاربون … ونخاف أن تفـرزَ لنا هذه الحربُ ما أنعمَتْ علينا بـهِ أخواتها السابقات .

      المحاربون عندنا ، كانوا قبل الحرب فقراء جـدّاً ، فأصبحوا في الحرب أغنياء جـدّاً ، وأصبحوا هم حكّاماً والحكمُ كان مزاريب ذهب ، في الحرب أغنياء ، وفي الحكم أغنياء ، وهذا الغنى حتى الفُحش هو الذي جعل الشعبَ فقيراً حتى البؤْس ، والدولة فقيرةً حتى الإفلاس .

      العالم الذي أصابتهُ “الكورونا” يتهَّـيأ بعد الخلاص منها لحماية الشعوب من آثارها ، ونحن وحدنا من بيـن أهل الأرض ، كان عندنا “كورونا” قبل الكورونا ، فكيف إذا تراكمت مصائب ما بعدها مع ويلات ما قبلها : و”كلما داويتَ جرحاً سال جـرحُ”

      ولكن ، بقدر ما أصابتنا الكورونا بالويل العظيم حقّـقت لهم الخـيرَ العميم: حجبَـتْ وجوهَهُمْ وحجبتْ أموالَهمْ الطائلة ، حجزتْنا في بيوتنا وحجزتْ مدَّخراتنا المتواضعة ، وحجزت الثوارَ عن الساحات ، هكذا : مصائبُ قـومٍ عندَ قـومٍ فوائدُ.

      هل يدركُ هؤلاء ، مـدى جنون الشعب الذي يعيش بلا خبـز ولا مال ولا رزقٍ ولا ارتزاقٍ ولا مستقبل ولا أمـل ، كيف تكون ردّة فعله المحمومة حيال الذين تسبّـبوا بهذه الفواجع …؟

      وهل يعلمون أنّ “الكورونا” لا يمكن أنْ تطْمسَ الروح الثائـرةَ في الشعب الملهوف ، ولا أنْ تهدّده بالموت ..؟

      إنّ الذي تحتضر في حياته الحياةُ ، ولا يتورّع عن تمزيق أمعائه بالسكاكين على الطريقة اليابانية ، فإنْ استحالت معه ثـورةُ الساحات ، فقد تقوم منه “عصاباتٌ شرعية” وعصابات ، تحكم شيكاغو بواسطة آل “كوبوني” ، وتقـتحم خـزائنَ المالِ المطمور في القصور ، ولـنْ تسلم الأعناق من قطْـعِ الأرزاق .

      في الثورة الفرنسية عندما أعلن جان جاك روسّـو : “أنّ الحرية ليست سوى شبحٍ سخيف عندما تجـوِّعُ طبقـةٌ من الناس طبقةً أخرى … وقال أيها الجبليون أصدروا الأوامر ، والشعب ينفّـذها بالمعاول …” بعدها ، زحـف الشعب الفرنسي على القصر الملكي هائجاً ، وبدل أنْ يتجاوب لويس السادس عشر مع مطالب الشعب،  غطّـى رأسه بالقبّعة الحمراء وشرب نخْـبَ الأمّـة …

      إذْ ذاك ، شربت الأمـةُ أيضاً نخبـه وبـدل أنْ تنـزل سـدّةُ العرشِ السكرى سليمةً على السلالم ، هبطت ساقطةً فـوق الجماجم ، ولكن … انتصرت الثورة وعاشت فرنسا .

***

(*) الجمهورية  3/ 4/ 2020

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *