حارس الأحياء

Views: 780

د. جان توما

استخدم متحدّثي الكويتي كلمة “دفن” البحر، فيما نستخدم نحن كلمة “طمر”، في مؤتمر، منذ سنوات، في دولة الكويت.

عدت إلى القاموس فوجدت طمر الشيء: دفنه. لعلّنا نحن سكان البرّ نصبح واحدًا في التعبير، ونصبح من دون أن ندري “حرّاس الموتى”، كلّما اقتطعنا من الشواطىء مساحات جديدة لتطوّر الحياة المدنية، وتلبية حاجة التوسّع العمراني، وتقديم شبكة مواصلات متجدّدة.

هذا لا يقتصر على المدن، فها أنهار القرى وبحيراتها تجفّ، وتقوم عليها الأبنية، وما كان يسمى في القرى “مجرى ماء” راح مع الزيتون والليمون ومع من يحزنون.

لقد تذكّرت هذا “الطمر” أو “الدفن” يوم زرت بلدة” بومبي” في نابولي بايطاليا، تلك التي طمرها بركان “فيزوف” بفيضانه الناري، بحجرها وبشرها، وبات حارسًا للموتى منذ أن ثار عام ٧٩ ميلادية، وطمرها بالرماد، إلى أن تمّ اكتشافها عام ١٧٤٨م. بعد ألف وستمائة سنة من اختفائها، واكتشف فيها الضحايا موتى في أوضاعهم التي كانوا عليها، واكتشف طابع المدينة الغني والترف وفترة الإمبراطورية الرومانية، والعمارة، والحياة الاجتماعية وغيرها.

يسوح الأحياء في هذه البلدة الإيطالية في ممرات أزقتها الحجرية كما كانت منذ يوم الطمر أو طقس الدفن البركاني.

تجول كما في وادي ظلال الموت، تشعر بالرماد يلاصق شفتيك، تجد سبيل ماء يؤمه السيّاح. تغسل وجهك، تبلّل شفتيك، تنعش حلقك، لكن عينَيك ترى ما لم تره عين، وأذنك تسمع ما لم تسمعه أذن، إذ تصبح بامتياز  “حارس الموتى” أو ” الأحياء” الطالعين من رماد البركان.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *