من المخبَأ

Views: 1187

وسام سري الدين

 اسرعوا لإقفال الباب ليس لأن هناك سارقًا، ولا لأن البرد سيدخل من الباب، ولا لأننا سنرقص، ولا لأننا لا نريد ان نستقبل هذا الضيف أو ذاك، ولا لأن هناك غبارًا، ولا لأن الليل قد جاء ..

إنه ليل من نوعٍ آخر! 

كالقطعان في العشايا المظلمة، أدخَلَنا الوباءُ ما بين جدران بيوتٍ ليست معدّةً، ولا تصلحُ للإقامة الطويلة أبدا، ولا هي تتّسع مهما اتسعت لطموح الحرية، حتى المؤقتة منها، ولا الاحتياج الخاص، ولا للراحة، لأن الراحة تتحوّل الى ألمٍ، أقلّه بسبب الجلوس الخطأ، وعدم القيام بتماربن لليونةِ الجسد !

      والبيت لغةً من بات أي دخل للمبيت ليلًا. والبَيات أصبح للإنسان دائما لا يعبأ بالفصول أشتويةً كانت أم صيفيّةً. 

أمّا أهل الكهف فقد تذكّرهم معظم الذين قرأوا عنهم، فتخيلنا العيون التي عجزت عن مواجهة النور، والشعر الطويل والجسم الهزيل والانحناءة والوجه الأبيض.و.. و..

    اعتلال الاجساد هذا سيجعلنا  نحن الكبار وحتى الصغار نستعدّ لأمراضِ نقص الفيتامين(دي) وآلام المفاصل، وضعف البصر… والحديث هنا يطول. فبعد ان كنّا نُطنِب في الحديث عن “العقل السليم في الجسم السليم”، ننبه اليوم من نتمنى ان يسمع، وبما يشبه الرجاء، حتى أننا نقول إذا بتحبني “خليك بالبيت”… أو “الزموا بيوتكم”…

     لقد خلق التواصل عبر التطبيقات الحديثة انفكاكا من حواجز الخوف من الآخر، وتقاربًا ما كان ليحدث لولا هذا الحجر الذي عوّضَ عن سلبيّة بعض ما ترسّخ في الانفس من عدم الاستجابة للشعور الانساني وغيره. 

         إلّا أنّ الأدهى من الوباء هو الأوبئة التي أقفلنا على أنفسنا وإياها الأبواب، وبقينا معها للحلّ منتظرين، لله مسبحين ، مدّعين أنّ الإيمان أخيرا قد حلّ ليعالجَ ضعفَ الناس ويحقّق انكسار جبروتهم، وان الخدعة قد تمت والناس قد عادوا الى نفوسهم…

      سواء أكان الجهل او العصبية، أو الآلات والاجهزة نفسها التي نعمد إليها كمفرّ آمن من الفراغ او الشجار او الفِ امرٍ مقلِقٍ، فقد بتنا ننسى مع الهاتف أنّنا بشرٌ !  بتنا مسحورين مشدودين إلى ما يُبَثُّ من توجيهات قد تكون مسيئة للانسان كإنسان، أو مضرّة بأنفسٍ ليست بمعظمها محصّنة باليقين ولا بالشك المؤدي الى اليقين، لتلفظَ الغريب والمسيءَ وتبقي على النافع المضيء..

   أعرف انّنا جميعًا نجتهد في حمل الجوّال، وننتقي منه الأكثر قدرة على الثبات في مواجهة الماء او السقوط والكسر… وغير ذلك، ولكن هل سنتباهى بعد خروجنا من هذه السجون الصغيرة بكمية الضرر الذي أحدثته الآلات الالكترونية ونحن نضمّها الى صدورنا وننام؟ أو نفتح اعيننا عليها ككتاب صلاة ؟ أو كدمية وجدناها فجأةً، حرمنا منها منذ الصغر وعلى مدى اعمارنا؟

     واشتغلتِ الأخيلةُ وصرنا نتخيّل هندسةً للبيوت جديدة، عليها ان تلبّي حاجةً مستقبلية، ربما كانت أقسى مما نحن عليه من الهرب والاختباء، ومن باب الاحتياط لا من باب التشاؤم الكبير، نرغب بأن تكون البيوت محجّة احلامنا لا سجن اجسامنا .

       لكن هل نعرف عن حبيبنا “الموبايل” هذا الذي نكاد نُجَنّ إذا انقطعتِ الكهرباء عنه أو الانترنت او تعطلت “الواي فاي” ماذا يفعل؟ هل نعلم أن هذا الهاتف هو أقوى عدوّ لنا اليوم؟ وهل نعرف أننا نحتمي من الدبّ لنسقط في الجُبّ؟!

   قد نكون نسينا التحذيراتِ الخطِرة من الهاتف المحمول وغيره من الأجهزة، أو أجّلنا التذكّر او التفكير بها، فدخل متسلّلا ضمن ثقافة الحياة حتى غدا مبتدأً تدور حوله الحياة والباقي مضافا اليه..

حذارِ، فإنّ تجاهلَنا الموجاتِ “الكهرومغناطيسية” التي تجلب لنا الأمراض، عدا عن إهمال علاقاتنا الأسرية والاجتماعية على حساب هذه الخصوصيّة الموهومة، سيدمّر ما تبقّى من طموح العاقل للانطلاق الى الحرية الحقيقية، وإقامة تدابير أقرب الى الأنسنة، والتحايل على الجهل وصدّ التسلّط، ومنع الظلم، والتزام الحق والواجب…

   فما هو مصير أجسام الصغار الطرية في هذه السجون؟ أهو أمر مدروسٌ كبح حريّة الحركة هذا؟ وأي مستقبلٍ لأبنائنا المنسجمين اليوم مع الحديد والكهرباء؟ كيف ننقضُ كل ما تعلّمناه وعلّمناه من مبادئ وتربية اجتماعية؟ كيف نعزل أنفسنا عمّا يحاول تدميرنا من الداخل ، وعمّن ينقَضّ على عظامنا قبل جلودنا؟ وقبل أن نتحوّل إلى آلات لا تعرف هل تملك الأجهزة أم الأجهزة تملكها؟…

أسئلةٌ الإجاباتُ عليها رهنُ الاعتقال أيضًا . 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *