حين يجود الرّبيع بالولادة

Views: 621

إيمان ريدان

   طالعة، مقطوعة جان توما،  بأجمل ما تكون المشاعر الفيّاضة والصّور الملوّنة، المتمكّنة بكلّ لوازم الإبداع، والمشغولة بالإبرة_ كما يقول الحرفيّون_ والتي لا يتقنها إلّا المغتربون في الرّوح.

  المطلع – وسأعتبرها قصيدة- هو إنباء بالولادة الجديدة؛ الخروج من العتمة إلى الضّوء، وهي، وإنْ تجلببت بثوب الأهل  الأبيض والجدود، وحسب مواقيت زمنيّة أو دينيّة، فلتوحي بالألفة والتّكافل والأمل.

   يأخذنا البوح، في قصيدة جان توما، إلى جمالات على مدّ النّظر، يرسمها الكاتب_ الأديب، بألوان من شغاف القلب. تبدأ نقيّة ومرغوبة، ” كما تساقط قطرات ماء الإبريق، للمشتهي، وكما غنج النّدى على العناقيد” في غرّة النهار. وإيغالًا في قطف المعنى، يجمع الكاتب المتناقضات حتّى لتبدو، وكأنّها تنساب بعفويّة وعلى سجيتها، من بين بنات أفكاره؛ فهل هناك أضيق وأعمق من بؤبؤي العين، وأوسع من انفلاش حقل النّظر؟ وعلى قربهما لا يلتقيان إلا في الاتّجاه الواحد، ولا يتوحّدان إلا حيال المعكوس، حين احتضان صورة وجه حبيبةٍ من ذاك الزّمان…وكيف يمكن  للسّنابل وهي القوت، وبركة معجن الحياة، أن تنضج وتلاقي الشّمس، بصورة أكثر وأعمق من تلاحق الزّفرات، وانفراجِ الهموم من الدّواخل؟ _وقد جعلها أكثر من داخل، لتكثيفها _وتحرّرِ الطّير من القفص، وشدوِ البلبل بعد صيام، أو توهانِ الخيول وعودتها، لأنّ الحوافر تعرف طريق العودة، من ألفتها..؟

   كلّ ذلك _لعمري_ يدعونا إلى حضور مهرجان ربيعٕ دائم، فالحياة إلى موت، فولادة من جديد. ونحن نتحرّر من الجسد، بالعودة إلى التّراب “أبحث عن كومة تراب لأطلع منها”، والتوّحد مع  الحياة (صورة الماء الطّالع من شقوق الحجارة) والتي تماثل الرّيح كيفما صيّرتها، لتصبح واحدة متّحدة بالوجود.

   قد نحتاج إلى قراءات عديدة لهذه القطعة الأدبية (الفلسفيّة) لتظّهير الصّورة، لكأنّها النّبيذ المعتّق الذي يجود مع الوقت، واختمار التّجربة، والمعاني في الوجدان. هذه المعاني المخبوءة بين السّطور، تتزيًا أيضًا بأثواب المتلقّين، والتي يجيد الكاتب  جان توما بثَّها بذائقة أدبيّة ولّادة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *